د. أحمد الفراج
السياسة والتعاطي معها فن قائم بذاته، والسياسي التقليدي، هو الذي يعرف متى يتحدث، وعن ماذا يتحدث، ومتى يصرح، ومتى يلمح، ومتى يصمت، وهذا لا يعني أن السياسي التقليدي هو الذي على صواب دوماً، فالتراث الغربي مليء بالمقولات الخالدة عن الساسة، ومعظمها موجع، إذ يقول باتريك روثفيس: «السلطة أمر جيد، والغباء لا ضرر منه، لكن عندما تجتمع السلطة والغباء، فنحن أمام خليط خطر»، ويضيف قور فيدال: «إن الساسة لا يكتبون كلماتهم، وهناك أدلة على أنهم لا يقرؤونها أيضاً!»، وهناك شبه إجماع على أن الكذب جزء من العمل السياسي، وعبّر ستيفن ماقي عن ذلك بقوله: «إذا كنت من الذين لا يرغبون في سماع الكذب، فتوقف عن متابعة الشأن السياسي»، وهذا كله نتيجة تراكمات طويلة، أثبت من خلالها معظم الساسة أنهم على استعداد لفعل أي شيء، في سبيل الوصول للسلطة.
على الجانب الآخر، تشير التجارب إلى أن العلم والثقافة ليسا شرط ضرورة للنجاح السياسي، فالسياسة هي فن الممكن، وليست تطبيقاً عملياً للمثاليات، علاوة على أن «الزعامة» فطرية، وكم من زعيم عظيم لم ينل شيئاً يذكر من التعليم، وكم من مثقف فشل في أقل المناصب السياسية تأثيراً، وبالتالي فإن الساسة يتفاوتون، وأحياناً تخدم السياسي بعض الظروف، وإحاطة نفسه بفريق مساعد من أعلى المستويات، كما حصل مع الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، الذي يعتبر واحداً من أنجح الرؤساء، رغم أنه لم يكن سياسياً بارزاً على المستوى الشخصي، وغني عن القول إنه أمضى السنتين الأخيرتين من حكمه، وهو تقريباً خارج الخدمة، حسب التسريبات المؤكدة، وكان هذا بفضل مساعديه من ساسة الطراز الرفيع، ومنهم جورج بوش الأب، وكاسبر واينبرقر، وجورج شولتز!
سبق لي الحديث عن الرئيس ترمب، وأنه صريح وواضح، يقول علناً، ما يقوله غيره من الساسة سراً، وكان هذا هو أحد أسباب فوزه بالرئاسة، ولكن هذه الميزة الاستثنائية سببت له الكثير من الحرج والمعوقات، فهو مثل من يطلب الهدوء في حفلة غنائية، أو من يقود سيارته في الطريق الخاطئ، وهذا يفسر الهجوم الشرس عليه من الإعلام والخصوم، لأنه لا يوفر أحداً، إذ سبق أن تهجم على أحد أهم الشخصيات الجمهورية وأكثرها احتراماً، بطل الحرب، السيناتور جون مكين، ثم هاجم أشد أنصاره، ووزير العدل في إدارته، جيف سيشون، مع أنه كان بإمكانه أن يعالج الأمر بحكمة أكبر، وما دعاني للحديث عن هذا الجانب، هو تصريحات ترمب في بعض الأحيان، والتي تسبب الحرج لحلفائه، وتزوّد خصومهم بأعيرة نارية، فهو لا يتورّع عن الحديث عمّا يدور في خلده، دون أن يأخذ في الاعتبار أي معطيات أخرى، ولا يبدو أنه في وارد تغيير هذه الإستراتيجية المدمرة، والتي إن لم يتداركها، فهو بلا شك سيواصل إحراج نفسه، وإحراج حلفائه معه!