احتفى العالم منذ أيام قليلة بمناسبتين سنويتين: عيد المرأة، وعيد الأم، ولو اقتفينا صدى هذين العيدين في العالم على اختلاف لغاته وثقافاته، لألفيناه مسرحًا كبيرًا تشاغب فيه النساء على الرجال شكاية منهم ونكاية بههم، تحت شعار المساواة وتكافؤ الفرص وتساوي والأجور وغير ذلك من الحقوق دون الواجبات، وهي القاسم المشترك لنساء الأرض على اختلاف النسبة من مكان لمكان ومن ثقافة لأخرى. ويبدو أن المرأة مع هذا الصراخ السنوي لا تحصل على شيء ذي بال، بقدر ما ترسخ في نفسها ومحيطها فكرة المرأة المسلوبة، والرجل المستبد، حتى أضحت قناعة تاريخية فرضت على الرجل التعامل معها بوصفها أقل شأنًا وعقلاً منه.
ومع استحالة هذه الصورة إلى كونية متجذرة، بات قلب الموازنة فيها عصيًا للغاية، وصحيح أن الحضارة قد نجحت في تقريب المسافة بين الرجل والمرأة، لكنها في أبهى مظاهرها وأكمل وسائلها، تقف عاجزة عن تذويب الفروق تمامًا، أو حتى خلخلة بعض الكتل الفكرية التاريخية الموروثة التي تؤمن بالقيمة النازلة للمرأة في المجتمع، وكأنه قدرها الذي لا مناص لها من تقبله والتعايش معه.
من الصور التي تحكي نمطية المرأة العالة أو المرأة الخرقاء ما تضمنه المثل لإسباني القائل: mujer ten?a que ser الذي يمكن ترجمته للعربية بصيغ عدة كلها صحيح: «لا بد أنها امرأة»؛ «امرأة لا شك»... وقد آثرت ترجمته بما ثبت في عنوان المقال لقناعتي بملاءمة الترجمة لطبيعة المثل في النص الأصلي، وهي طبيعة أقرب ما تكون للعامي والشفهي من حيث ملازمة العبارة لثقافة الشارع وخاصة ما يتعلق بقيادة المرأة للسيارة.
كانت هذه العبارة تتهادى إلى سمعي من حين لآخر، في هيئة تمتمة أو وشوشة، وربما همس بعضهم لي بها مبتسمًا وهو يطوي من الجدية ما لا يجرؤ على الجهر به. ذات مرة وقع حادث سير أفزعتنا بغتته؛ فحين كانت الأمور تجري باعتيادية عالية، انحرفت حافلة مدرسة وارتطمت بحاجز حديدي لاعتراض إحدى السيارات الصغيرة أمامها بشكل ينم عن قصور في مهارات القيادة وسوء تقدير لدى سائقها. «حرمة أكيد»! هكذا تفوه أحدهم مستاء من سائق تلك السيارة دون أن يعرف جنسه، عاقدًا علاقة مؤكدة بين المرأة والعجز.
والحق أنه لا غرابة في هذا السلوك، عطفًا على ما استقر عليه الأمر في تاريخ الثقافات من تدني نظرة الرجل للمرأة؛ لكن الغريب فعلاً حينما تمارس المرأة ذاتها دور البطولة في تمكين النسق السلبي منها. ولأننا في سياق الثقافة الإسبانية التي هي موضوع المقالات؛ ما زالت تتردد في الذاكرة كلمات امرأة إسبانية في وثائقي قديم يعود لعقد الستينيات أو السبعينيات من القرن الفائت؛ حين بدأت إسبانيا منح المرأة حقوقها بعد أن كان محظورًا عليها العمل والسفر وحتى الحصول على حساب بنكي دون إذن الرجل، بل إنها بمجرد زواجها من أجنبي تفقد جنسيتها! تقول تلك المرأة في استطلاع للرأي عن جملة المستجدات حينها أنها ليست مع إعطاء المرأة كامل حقوقها واستقلالها! وقد بدا أنها تمثل شريحة معتبرة من نساء عصرها من الطبقة المتوسطة فأعلى. إنها شهادة تاريخية على الدور الكارثي الذي قد تمارسه المرأة ضد نفسها دون أن تشعر، ولا يقل عنه سوءًا أن تظل هي نفسها تذكر العالم سنويًا بدونيتها أمام الرجل.
- صالح عيظة الزهراني