خالد بن عبدالكريم الحقيل
كلنا أو معظم جيلنا والجيل السابق شهد حقبة التسعينات وحرب صدام الغاشمة على الكويت وما تبعها من تدخل قوي للمملكة العربية السعودية ومؤازرة الشقيقة الكويت وخوض الحرب ضد قوات صدام حسين الغاشمة، وما أشبه اليوم بالبارحة، لكن عذراً.. مع تغيير إستراتيجي وتكتيكي في خوض غمار الحروب والتعامل معها ودراستها والتحكم بمداها..
كان شبح الحرب هو المسيطر على أجواء المملكة لا أعمال ولا مدارس ولا جامعات، توقفت الحياة العلمية والعملية وأضحى الكل في انتظار.. كانت صفارات الإنذار تدوي بشكل شبه يومي واستمرت الحرب قرابة الستة أشهر قبل أن تهدأ الأمور، ناهيك أن معظم سكان الرياض قد عادوا إلى محافظاتهم أو قراهم بعد أن تيقنوا بأن الرياض مستهدف بالسكود والصواريخ التي قد تحمل رؤوساً كيماوية، أما المقيمون فقد عاد عدد ضخم منهم لبلدانهم وعدد آخر احتمى خارج الرياض..
خاضت بلادنا الحرب وانتصرت وحلفاؤها على العدوان ولكن تحملت معظم الخسائر في سبيل حماية دولة شقيقة، ومنقذة مجلس التعاون الخليجي الذي كاد ينحل آنذاك لولا فضل الله تعالى ثم وقفة المملكة بكل مالها ورجالها وعتادها.
ما أود لفت الانتباه إليه أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد قلب إستراتيجية التعامل مع الحروب رأساً على عقب معتمدا على تطوير قوات الدفاع بأحدث التكنولوجيا,ومستندا على درايته بقوة إيمان وقلب وعقيدة المواطن السعودي.. فثلاث سنوات البلاد تخوض حرباً ضروسا مع طواغيت الحوثي على الحدود وباليمن دون أن تتأثر حياة قاطني البلاد, بل الاقتصاد يزدهر وخطط التطوير 2020 و2030 تتحقق شيئاً فشيئاً، صواريخ باليستية تقتحم أجواء الرياض ويتم صدها بكل احترافية وتكنولوجيا عسكرية دون أن تتحرك شعره من رأس أي مواطن أو مقيم.. بل المواطنون والمقيمون يمارسون حياتهم الاعتيادية موقنون بحفظ الله تعالى لهذه الأرض المباركة ثم معتمدون على رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه بحماية هذه البلاد بالغالي والنفيس.
بلد آخر لو كان يخوض مثل هذه الحرب في هذه الحقبة الزمنية الحالية التي جعلت من وسائل التواصل جزءاً من حياة الأفراد بما تحتويه من تضخيم للأحداث وتناقل شائعات، لتدهور اقتصاده وتوقفت أعماله وعشعش الخوف بقلوب مواطنيه وولى مقيموه الأدبار..
لكنها المملكة العربية السعودية.. ذلك الكيان العربي العملاق الذي حظي بقيادة راسخة من سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ذلك الرجل الشجاع الحكيم الذي قضي جل حياته لخدمة الوطن والمواطن، ورأى بعينيه ما خطط له وكافح من أجله، واستطاع إيصال قيم ومبادئ المواطن السعودي لكافة بقاع الأرض, وعلى إثر خطاه وتحت أنظاره رأينا نجله الأمير محمد بن سلمان، يدير ما كلف به بمنتهى الكفاءة، حرب لاستعادة الشرعية باليمن بالجنوب، وحرب استعادة الشرق الأوسط من براثن كهنة وملالي طهران، وإعادة العراق ولبنان إلى الحضن العربي، وسباق تسلح إقليمي استطاعت المملكة فيه من تجاوز كل منافسيها بالحصول على ذروة الإنتاج العسكري الأمريكي، ونخبة المقاتلات الأوروبية، وخلاصة الثقافة العسكرية بالصين، مع تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول العظمى، والقدرة على التصريح بمنتهى القوة بما لم يكن لأي دولة شرق أوسطية من التلميح لا التصريح به ألا وهو القدرة والسعي لامتلاك السلاح النووي فور حصول إيران عليه..
رحلات دولية لا تتوقف، ونقاشات عالمية، وصفقات عسكرية واقتصادية، آخرها مايحدث الآن من زيارة سموه للولايات المتحدة الأمريكية والحظوة السياسية التي نالها في أكبر دولة على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
هي معادلة سياسية برع بها سمو ولي العهد، وأبدع بابتكار حلول لم تكن مطروحة مسبقاً على طاولة النقاش حيث استطاع بالإضافة إلى ترضيخ الفرس وكسر شوكتهم وتغيير لهجتهم الفوقية، إعادة التوازن بمنطقة الشرق الأوسط، وتجاوز قدرات إيران بمسافات اقتصادية وعسكرية واستراتيجية بعيدة, وإشعار روسيا والصين بعودة مقاليد الشرق الأوسط للعرب بقيادة مملكة المجد، لتعتلي قممه، وتحلق في سمائه، وترتوي من كأسه.
حفظ الله وطننا الغالي وأوطان المسلمين، وأدام الله قيادتنا وأمد بعمر مليكنا وولي عهده الأمين وأيدهم بنصره وقوته.