عبدالعزيز السماري
تناول الأزمة الخليجية أو العربية ضد دولة قطر مثل المشي في حقول الألغام، فقد اختارت الأزمة أن تسير في الطريق المسدود بسبب عدم إدراك واقعي للحكومة القطرية للأزمة السياسية التي اختارت أن تكون فيها، وما لم تدركه الحكومة القطرية هو أهمية التقدم بخطوات إيجابية سريعة في اتجاه مصالحة مع دول الجوار العربي، وإلا ستطول الأزمة مهما كانت التدخلات.
جوهر الأزمة حول قطر أنها كانت تلعب أدواراً سياسية أكبر بكثير من حجمها السياسي، إذ لا يمكن أن تقوم بدور المحرض على الديموقراطية أو المحرض على الثورات الأصولية الإسلامية، والحكومة الراعية لهذا الحراك ليس لها علاقة بأيهما، ولهذا فُهم من الأمر أنها تقوم بإثارة الفتن لشقيقاتها العربية.
ومن أجل تبسيط أكثر لفهم الأزمة، لو اختارت لوكسمبرج أن تتبنى مواقف سياسية مناهضة ومعادية لفرنسا، وأن تقوم بأدوار سياسية ضد مصالح الدول الكبرى في أوروبا الغربية، فهل ستسمح تلك الدول الكبرى بتطاول دولة مجاورة وصغيرة على مصالحها.
ما لم تدركه الحكومة القطرية أن هناك لعبة سياسية، ولها شروط تتحكم فيها المصالح والقوة، وإذا لم يدرك صغار اللاعبين قواعد هذه اللعبة تكون خساراتهم أكبر في أول حركات اللعبة، وفي الأزمة العربية مع قطر تأخرت ردة فعل الأقوياء كثيراً، وذلك بسبب أواصر الأخوة المعلنة ووحدة المصير.
كان الاختلال الأول في قواعد اللعبة أن اختارت قطر من خلال إعلامها أن تكون الأب الراعي للثورات العربية وأن تصبح بين ليلة وضحاها نصير الثورة والديموقراطية الأول في المنطقة، وأعتقد أن تدخلها أضر بالحراك الشعبي الذي كان ينشد العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي والاقتصادي في بعض الدول العربية، إذ لا يمكن أن يكون أب الديموقراطية فاقداً لها..
الديموقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي مراحل متقدمة في حياة الشعوب، وأي تلاعب سياسي بتلك المقدرات الرئيسة قد يؤدي بالمنطقة إلى الانهيار، ومن الغباء السياسي أن تعتقد حكومة قطر أنها ستنجو من الهلاك، إذا نجحت إيران في تصدير الدمار والطائفية والصراع السياسي إلى منطقة الخليج.
قد تنتهي الأزمة يوماً ما بعد تقديم التنازلات المؤلمة من قبل حكومة قطر، لكن لعل الخطوة الأهم في أول خطوات المصالحة تغيير الخطاب الإعلامي السياسي، والذي يجب أن يخرج من خندق التحزب أو الاختباء خلف متاريس الثوار إلى أن يكون خطاباً إعلامياً معتدلاً، فالشعوب لا يحتاجون إلى محرضين يلقونهم في التهلكة، وهم غير قادرين سياسياً أو عسكرياً لإنقاذهم من جحيم الفتنة، وما يبشر به الإعلام القطري يضر كثيراً بالوعي السياسي لشعوب المنطقة، فالإصلاح السياسي يحتاج إلى مثال واقعي، وليس إلى خطاب تحريضي..
من الأهمية أن تعي الحكومة القطرية أن المسألة سياسية بامتياز، وأن ليس للشعب القطري علاقة بكبرياء وغطرسة حكومتهم، ولم تكن حكومة قطر أول المخالفين لقواعد اللعبة السياسية في المنطقة، فقد سبقتها دولة ليبيا في عصر معمر القذافي، فقد تهيأ له أنه ملك الملوك والقائد الذي لا يُقهر، وكانت النتيجة تلك النهاية المأساوية، وقبله قام صدام حسين بمغامرات سياسية في مختلف الاتجاهات، وخسرها جميعاً..
قواعد اللعبة السياسية أن تعرف حجمك السياسي والدولي، وبالتالي تكون مشاركاتك في الميدان حسب هذا الحجم، ويمكن لأي متابع أن يرى الحجم السياسي لدولة كبرى مثل فرنسا صغيراً عند مقارنته بالحجم السياسي والدولي للولايات المتحدة الأمريكية في الميادين السياسية، وهو ما تدركه السياسة الفرنسية جيداً قبل أي حراك سياسي قد يخالف مصالح الدولة العظمى.
ولهذا السبب ندعو السياسي القطري وغيره من السياسيين أن يدركوا جيداً قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، وأن يعوا أن التجاوزات السياسية الفردية في ميادين السياسة الدولية عادة لا تكن خافية على مختلف القوى السياسية الكبرى، وأن ما واجهته حكومة قطر لم يكن قراءة سياسية عربية خالصة، ولكن كان كرتاً دولياً أحمر ضد تجاوزات الحكومة القطرية لأدوارها الصغيرة في قواعد اللعبة السياسية الدولية في المنطقة.