د. فوزية البكر
قالت لي صحفية أجنبية قابلتها مؤخراً أتعرفين ما سيكون صعب عليّ حين أعود؟.. أن أكتب شيئاً إيجابياً بشأن بلادك؟.. تعود القراء الغربيون على هذه الصورة الغريبة البشعة التي تأتي من عالم العجائب حولكم وعملتم بتكتمكم وتصعيب استقبال الغرباء لديكم ومنع الزيارات وتشديد الحصول على الفيز من قبل سفاراتكم على تأكيدها وساهمت كتابات بعض المستشرقين والمتنفعين والسياسيين على دعمها والآن يأتي ولي عهدكم الفتي محاولاً تغيير هذه الصورة؟.. كيف لي أن أقنع قرائي بما رأيت؟.. كيف لي أن أقول لهم إن النساء السعوديات متيمات بصورة البطل في شخص أميركم الذي خرق المعجزات لبلد عصية مثل بلادكم؟ كيف أنقل مشاعر الشارع الدافقة من الجيل الجديد تجاه ما يجري من تغيرات تاريخية مع إدراكي وملاحظتي أن الصورة ليست واضحة تماماً للجميع.
نفس الحديث دار مع مجموعة من الكتّاب والصحفيين والصحفيات من إخواننا الجزائرين الذين أتيح لنا ولأول مرة عبر هيئة الصحفيين الالتقاء بهم، حيث عبروا عن دهشتهم بكل هذه الإنجازات التي أوصد الباب خلفها لسنوات عبر التخوف من فكرة التعاطي مع الغريب أو من يحمل فكراً غير إيجابي نحو الممملكة.
الآن ولله الحمد يبدو واضحاً أن السياسات الإعلامية والأنشطة الثقافية والترتيبات على المستويات المحلية والعالمية تحمل عناوين مختلفة أهمها التأكيد على الانفتاح على الآخر وتأكيد الحضور السعودي في كافة الأروقة العالمية المتاحة وتأكيد حضور المرأة بجانب الرجل في كافة المنابر المحلية والعالمية وتجد أن المملكة اليوم أصبحت عضواً نشطاً سواء في الملتقيات الثقافية والأدبية (انظر مثلاً قرطاج، مكتبة الإسكندرية، المعرض السعودي العالمي إلخ) أو في سفاراتنا أو في أروقة المنظمات العالمية مثل لجان الأمم المتحدة ومؤسساتها التربوية والثقافية واللإغاثية المتعددة.
كل ذلك يبرز حجم الجهود المكثفة للسعودية بعد أن أدركت سياساتنا الرسمية حجم تأثير ما يسمي بقوي الدبلوماسية الناعمة في ظل التغيرات العولمية التي يشهدها عالم اليوم بحيث خففت من وطأة يد البيروقراطية الحكومية التي كانت متشددة في الضغط على مؤسساتنا وسفارات بلادنا في الخارج لتحديد ما تقول وتفعل.
لماذا يهمنا الآخرون عرباً وعجماً؟.. لآن العالم اليوم لا يتيح لأي كان فرداً أو مجتمعاً أن يعيش لوحده ولآن المصالح العامة بكل أشكالها (اقتصادية، سياسية، أمنية... إلخ) ترتبط بالآخر ولأن العالم اليوم بمتغيراته المعلوماتية والحضارية يفرض حضارة مشتركة تبنيها معا دول العالم أجمع (بالطبع هناك من يساهم بشكل واضح في هذا البناء وهناك من يغيص مرغماً أو غير مقدر في مشكلاته الخاصة والعامة دون مساهمات واضحة في بناء الحضارة الإنسانية).
ما الذي يمكن أن نفعله؟.
لعل ذكاء ولي العهد في زيارته الأخيرة يعطي مؤشراً على عدد من القنوات الهامة التي يمكن تفعيلها فزيارة سموه لأهم المؤسسات التعليمية في بوسطن مثل جامعة هارفرد ومعهد الإم أي تي يعني تواصلا علمياً سيساعد على إيصال الباحثين السعوديين لمستويات عالمية يستخدم فيها العلم لإظهار حقيقية الصورة السعودية علمياً وزيارته للمؤسسات الدينية في مصر وغيرها يعطي الأهمية القصوي في حاضرنا اليوم لأصوات دينية معتدلة تستطيع تطهير صورة الإسلام مما علق بها من صور إرهابية وهمجية لا زال بعض المتطرفين يكرسونها حتى اليوم. ويأتي نشاط شبابنا الرقمي ذكوراً وأناثاً في كافة المجالات ليشكل رافداً مهماً للدبلوماسية الشعبية التي يمكن استثمارها في ما يحقق مصالح الأمة العليا كما يمكن لنا داخلياً الاستفادة من خبرات منظمات المجتمع المدني العالمية في بناء منظماتنا الداخلية الموازية التي لا زالت في طور التشكل لتساعد في تحقيق الصالح الشعبي إلى جانب أن هذا التواصل سيساعد على إيضاح الصورة للعالم الخارجي باعتبار عالم اليوم وحدة متكالمة هدفها تحقيق أمن الإنسان وتفعيل سبل تنميته المستدامة عبر الخدمات الحكومية والمدنية.
حفظ الله هذا الوطن آمناً مستقراً.