د. محمد عبدالله العوين
كم كنت سعيدا حين وجدت سيرة ذاتية لجلال الدين السيوطي (849 - 911هـ) بتحقيق المستشرقة الإنجليزية اليزابيث ماري سارتين جزءاً من رسالتها لنيل درجة الدكتوراه التي حصلت عليها من جامعة كامبريدج سنة 1968م وقد صدر الكتاب بدراسة ضافية في ثمانين صفحة للدكتور عوض الغباري.
وتكمن أهمية هذه السيرة أنها لعالم موسوعي كبير عاش في زمن عربي مضطرب تحت حكم المماليك في مصر شاعت فيه خلافات بين علماء الدين واللغة في الجزئيات، وتعلق بعضهم بخرافات التبرك بالصالحين كما يذكر السيوطي عن نفسه، ولم يدع شاردة ولا واردة عن حياته إلا ذكرها بدءاً بولادته ونشأته في بيت علم، ووفاة والده وعمره لم يتجاوز عمره خمس سنين وطلبه العلم ورحلاته، ومجاورته في مكة وبدئه التأليف واختلافه مع فقهاء عصره، وهو الخلاف الذي أدى إلى أن يضرب ضربا مبرحا من الصبيان والسفهاء المسلطين من خصومه على قارعة الطريق؛ مما دعاه إلى أن يعتزل الحياة العامة ويعتكف في منزله ولم يتجاوز عمره أربعين عاما، وهي الفترة الخصبة التي أثمرت عن غزارة في عدد مؤلفاته التي أوصلها حاجي خليفة إلى ستمائة كتاب بين مختصرات وشروح ورسائل، وقد ألف في كل فن، حتى في غير المألوف مما أنكره خصومه عليه؛ كالعلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة.
أما عبد الرحمن الجبرتي فوجدت طبعة جديدة من كتابه الضخم « عجايب الآثار في التراجم والأخبار « في خمسة أجزاء حققها الأستاذ عبد العزيز جمال الدين وطبعتها مكتبة مدبولي، ولدي نسخة قديمة من هذا الكتاب تقع في ثلاثة أجزاء من نشر مكتبة الجيل خالية من أية تعليقات أو حواش.
ولي وقفة قادمة متأنية عن موقف الجبرتي من الحملة الظالمة التي قام بها محمد علي باشا بتكليف من الخلافة التركية على الدولة السعودية.
أما زكي مبارك فقد بدأ شغفي بتتبع مقالاته أو لأقل بدأ يأخذ بلبي بسحر بيانه وخفة ظله وبساطة حديثه وعذوبة فكاهته واندفاعه نحو الجمال والمزج بين الجد والهزل مع المقدرة الفائقة على اقتناص الفرائد الدقيقة في ما وراء المضمر من الإشارات؛ منذ أن وقع في يدي كتابه الفريد « ذكريات باريس « في طبعة قديمة اقتنصتها بثمن بخمس لم يزد على أربعة جنيهات مصرية من سوق الكتب على رصيف حديقة الأزبكية بالقاهرة في زمن مبكر من تعلقي بالقراءة والاطلاع، ووجدت معه أيضا كتابه « ملامح المجتمع العراقي « وعلى الغلاف الداخلي كتب بخط يده إهداء لطيفا إلى سعادة الأستاذ شكري بك زيدان، ومن حسن حظي أن وقعت عيني في معرض الكتاب على إحدى الدور التي تعنى بمؤلفات مشاهير الأدباء فاقتنيت منها ما نقص في مكتبتي من مؤلفات زكي مبارك؛ كليلى المريضة في العراق والحديث ذو شجون والبدائع ووحي بغداد والأسمار والأحاديث ووحي بغداد ومدامع العشاق، وغيرها.
رحمك الله يا زكي مبارك؛ كم كنت مبدعا عذبا صادقا مرهف الحس عميق الشعور والإحساس بالجمال.