صدرت لي مؤخراً دراسة جديدة عن «الأنصار»؛ الذين ناصروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في يثرب (المدينة المنورة)، بعنوان: «تاريخ الأنصار بالأندلس: أنسابهم، وبيوتاتهم، وعلمائهم، ودولتهم»؛ حيث ضمت أكثر من أربعمائة علم من أعلام الأنصار بالأندلس؛ فضلا عن تناول أنسابهم، وبيوتاتهم، ودولتهم هناك. وكما هو معروف فقد شاء الله تبارك وتعالى أن تكون خاتمة تاريخ دولة الإسلام بالأندلس على أيدي أحد المنتسبين للأنصار؛ الذين كانت لهم بُغية في تسلم الحكم والخلافة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة (سنة 11هـ) ليبايعوا سعد بن عبادة الأنصاري.. حتى قالوا: «مِنَّا أمير، وَمِنْكُمْ أمير»، وانتهى الأمر بخلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. وها نحن أمام تاريخ جديد للأنصار في تولي حكم المسلمين في الحقبة الأخيرة من تاريخ الإسلام بالأندلس. إنها حقًا لمفارقة كبرى، ووصل عجيب من عجائب هذا الزمان، وَتِلْكَ الْأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
وكان الأنصار من القبائل العربية التي هاجرت إلى المغرب والأندلس، وهم الجم الغفير بالأندلس، وكان جزء من الأنصار بناحية طليطلة، وهم أكثر القبائل بالأندلس في شرقها وغربها. ففي الأندلس منهم أبو بكر عبادة بن عبد الله بن ماء السماء المشهور بالموشحات وهو من ذرية الصحابي سعد بن عبادة (رضي الله عنه)، ومنهم أيضاً بنو الأحمر ملوك غرناطة من ذرية قيس بن سعد بن عبادة، وهم آخر حكام المسلمين في الأندلس وبهم انقرض مُلك المسلمين عام 1492م.
انتشر تواجد الأنصار في مناحي مدن الأندلس، وخير ما ذكر عنهم أجلاه ابن الفرضي (ت 403 هـ) في كتابه «تاريخ علماء الأندلس»، وابن بشكوال (ت 578 هـ)، في «الصلة في تاريخ أئمة الأندلس»، وابن الآبار (ت 658 هـ) في «التكملة لكتاب لصلة»، وغيرهم من المؤرخين ومؤلفي كتب الرجال والتراجم والرحلات وكتب الجغرافيا، وسجلوا لنا تراجم العديد من علماء الأنصار، من مختلف مدن الأندلس.
وإذا تأملنا دور الأنصار في الحياة العلمية بالأندلس من القرن الثالث حتى القرن السابع الهجري، ألفيناها يقدمون لنا نموذجًا هامًا يضرب به كمثال على دور القبائل العربية في الحياة العلمية بالأندلس خلال هذه الفترة التي ظهر فيها نحو أربعمائة وخمسون عالما من علماء الأنصار.
فما أحوجنا إلى الوقوف مليا عند أعلام الأنصار، واستقراء أعمالهم العلمية الدقيق منها والجليل، إذ إننا حين نفعل ذلك سيتوفر لدينا سجل متراكم من الحقائق عن التاريخ العلمي لهاتين القبيلتين ودورهما البارز في هذا الجانب.
إن علينا الاهتمام بدراسة دور قبيلتي الأوس والخزرج في الحياة العلمية بالأندلس من خلال كشف النقاب عن علمائها بالأندلس.
وهنالك العديد من مشاهير وأعلام هذه القبيلة الذين اعتنوا بالعلم وأحسنوا تقييده، وأخذ الناس عنهم، وذاع صيتهم وعلمهم في مدن الأندلس هنا وهناك، وازدهرت على أيديهم الحياة العلمية في الأندلس.
** **
- باحث دكتوراة في التاريخ الإسلامي