«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بوصالح تاجر بسيط. لديه دكان في الفريج. يبيع فيه كل ما يحتاجه سكانه من احتياجات بسيطة لا تستدعي ذهابهم لإحضارها من سوق المدينة. ففي دكانه ما قد يحتاجونه من مواد تموينية. سكر. أرز. طحين. شاه. علب كبريت أو معلبات الفاكهة وحتى علب الزبدة الشهيرة. ورغم كونه عليلاً ويعاني من سعال متكرر نتيجة تدخينه أيام شبابه «دخان اللف» إلا أنه كان ذا إرادة وقوة ونشاط فهو يتحرك داخله بحيوية خصوصاً أنه يعرف جيداً محتوياته بصورة فريدة فلو جاءت امرأة تطلب منه حجر «الشبه» أو بكرة خيط أسود. فسرعان ما تمتد يده المعروفة إلى حيث توجد هذه البكرة أو غيرها. ولا يشبه دكان أبوصالح إلا دكان «الحبص» الشهير بقيصرية الهفوف. لكن تميز صاحبنا أبوصالح بأن دكانه أكثر مساحة من دكان أو حانوت «الحبص» الذي تميز بصغر مساحته بالمقارنة بمساحة دكانه وبميزة أخرى ميزت هذا الدكان الذي بات شهيراً لا على مستوى الفريج «الحارة» ولكن على مستوى المدينة. هذه الميزة تجسدت في وجود «دكة» على امتداد جانبي الدكان. طولها لا يقل عن أربعة أمتار وربما أكثر. بالطبع تتوسطها فتحة الدكان. هذه «الدكة» التي هي موضوع إطلالتنا لهذا اليوم. تعد مقهى صغيراً أضاف نفسه للدكان أو نستطيع أن نقول وبكل ثقة إن ذكاء صاحبه جعلها تكون بهذه الصورة حيث لا تخلو هذه الدكة من روادها في فترة الصباح والمساء حتى بعد صلاة العشاء بساعة وأكثر. في الصباح يجلس عليها البعض من كبار السن وعلى الأخص من المتقاعدين من العمل الحكومي أو من عشاق تناول المشروبات الغازية التي كانت نادرة في ذلك الزمن ولا تباع إلا في «دكاكين» محدودة بها ثلاجات. وكان هؤلاء يطيب للواحد منهم شرب زجاجة بارد ليستمتع بشربها وهو يتبادل الحديث مع جلساء «الدكة» ومع الأيام استطاع بوصالح أن يقنع صاحب البيت المجاور أن يؤجره غرفة من بيته ليفتحها داخل دكانه ويحولها إلى مكان للعب «الكيرم»d,st حيث كانت هذه اللعبة بدأت تحظى باهتمام وإقبال مئات الأولاد المراهقين وغيرهم. ولقد تضاعف دخل دكان أبوصالح ببركة الله ثم ببركة رواد «الدكة» وعشاق لعبة «الكيرم» لدرجة أن هذه الغرفة التي باتت غرفة ألعاب «كيرمية « ففيها تتوزع أكثر من أربع طاولات. وهذا يعنى أن هناك أكثر من (12) شاباً يمارسون اللعب داخل الغرفة الداخلية للدكان غير الذين ينتظرون دورهم للعب. بل ويتنافسون في الفوز ويقيمون دوريات خاصة بعد أيام الامتحانات.. ومع الأيام جذت اللعبة حتى كبار السن فصاروا ينافسون الشباب في لعبها. أما الدكة فهي الأخرى باتت مجالاً رحباً للعب الورق والدمينو وحتى لعبة «الخطة» فتضاعفت بالتالي طلبات شراء البارد بل إن بعض رواد الدكة خصوصاً الذين يترددون عليها بعد صلاة العشاء طالبوا بوصالح أن يستعين بأحدهم ليقدم لهم الشاي. فجلسة «الدكة» وما يدور فيها من أحاديث باتت تغريهم بتمديد فترة جلوسهم فيها وبالتالي فهم يحتاجون إلى «الكيف» شاهيهم المنعنع أو قهوتهم بالهيل والزعفران.. ولم يصدق خبر فراح بوصالح يسأل عن صبي يقوم بمهمة إعداد الشاي والقهوة وان يخصص لذلك ركناً داخل غرفة «الكيرم» وما هي إلا أيام وإذا الدكان بات يقدم لرواد «الدكة» ما يحتاجونه من الشاي والقهوة بل وحتى «الباجلا» والتي يعدها الصبي.. ولولا الحياء لقدم لهم أيضاً «القدو» النرجيلة الشعبية في بعض دول الخليج لكنه أبعد هذه الفكرة خوفاً من مراقبي البلدية.. هذا جانب من حكاية «دكة» دكان بوصالح التي تصلح أن تكون رواية طويلة بما تتضمنه من حكايات وقصص ومواقف وأحداث. تذكرها كاتب هذه السطور وهو يقرأ رسالة «واتسابية» بعث بها إليه أحد أحبته وفيها إشارة محفزة عن «الدكة» مرفقة بها صور لإحدى الدكك في إحدى الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي ولولا وجود صور لأشخاص فيها قد لا يحبذون نشر صورهم. لنشرها في هذه «الإطلالة». هذا ومن أشهر الدكك في الأحساء دكة سوق القيصرية بالهفوف «الصورة» وكانت تقع في الجهة الجنوبية من السوق. وبالمناسبة الدكة تعد في بعض الدول أشبه ما تكون بالاستراحة أو الملتقى. وفي ذات الوقت للدكة في العديد من الدول العربية مكانة تاريخية مهمة حيث تكون ملتقى الأصحاب والمعارف ولقد تناولتها العديد من الروايات في العالم وأصبحت «الدكك» في هذا العصر تصنع من الخشب وتباع في الأسواق.. ولها من يقبل على شرائها بصورة لافتة!