عبده الأسمري
عندما تتبني فكرا فأنت تبني مشروعا يحتمل قطبية النجاح والفشل... البشرية تحتاج دوما إلى تطور للفكر بعيدا عن الثوابت فالإنسانية تسمو دائما بالرقي والترقي في تشرب العلم من أعماق البداية وحتى آفاق المستقبل.. ومتى ما كان هنالك عقول تفكر وأفئدة تستلهم وأرواح تلهم فان البحث والنقاش والتطوير والابتكار منصات مترعة بالإدهاش مشبعة بالإغناء تجعل الإنسان يملأ أركان العالم «معرفة» ويشبع أرجاء الأرض «علما».
عندما اكتشف العلماء كل النظريات في العلوم الإنسانية والنظرية لم يكن الأمر بمحض الصدفة أو رهن الحظ بل كانت هناك عقول تتشبث بأدق تفاصيل البحث حتى تمكنت من استغلال آلاف الخلايا في جهاز العقل لترضخ الموضوع للتساؤل محولة «القضية» إلى نظرية.. لم تأت ملكات الاختراع والإبداع لصاحبها من فراغ بل كانت نتيجة السهر والتمهر في ترويض مكونات المادة الخاضعة للبحث وحشد المفكر والعالم كل المكونات النفسية والروحية والعقلية واضعا بينه وبين العالم ستارا من العزلة الفكرية كي يتبنى قضيته جاعلا الانعزال بين مسارات فلسفة الإبداع «عالما خاصا» به يكون فيه الآمر الناهي لجنود الإمتاع العلمي من عقل ونفس وروح فتتبارى وتتماهى لجنى ثمار «النتائج» التي تغني الباحثين عن الحلول وتبني منظومة الفكر واضعة «البشرى» محفلا حاضرا و»الذكرى» تكريما قادما.
الإبداع أن لا نلقن أجيالنا «جداول الضرب» وأن لا نحشو عقولهم بمعلومات ثابتة في الجغرافيا والتاريخ والأدب.. بل إن الإبداع الحقيقي ما ارتبط بالإمتاع من حيث القراءة ثم الفهم ثم التحليل.. لسنا بحاجة إلى قوالب مناهج محفوظة تنتهي بمجرد انقضاء الدراسة..نحتاج إلى أجيال تفهم وتحلل وتتدبر.. نريد المدارس دورا للفكر وليس محاضن للتلقين وعلينا أن نستوعب من الدرس الذي جنيناه من «دوائر التشدد ومدارات التطرف» في حقبة «معلمي التشدد» الذي كانوا يحولون العقول لملفات صامتة والقلوب لقوالب جامدة ترتدي «الجمود» وتعيش بالخلاف وتقتات على العداء.
نحتاج أن نرى كتبا جديدة في مناهجنا وأن نشاهد أجيالا مبدعة تحترف كتابة البحث بديلا للإنشاء الهزيل الذي لا يزال يتشبث بالتعبير عن العطلة الصيفية والجمل سفينة الصحراء!!.. نتطلع إلى علوم هندسة وجبر بديلا من معادلات ومتراجحات أخضعت للحفظ والحشو وحتى الغش !!.. نتعشم في توفير فنون للخط العربي لوقف «شعوذات الصبية» والتي ستلاحقهم حتى وإن نالوا «الدكتوراه» نأمل في مناهج تسمو بالوطنية وتدحر الشائعات وتوأد الفتن بدلا من أنشطة مؤقتة مكررة في حصص النشاط.. نريد تاريخا متسلسلا للدراسة يجمع العظماء جميعا دون «إغفال» للمواقف وتجاهل «للاعتزاز».. نحتاج جغرافيا منوعة ممتلئة بالتنويع والتجديد تضاريسا ومناخا أزمنة وأمكنة.. وجيولوجيا تربط الإنسان بالأرض علميا وفكريا وأحياء مكتظة بالبحث والتحليل وعلوم دينية توظف تدبر القرآن وعبر البيان وترصد التراث والميراث الديني وتبلور مناهج السنة وجمال الإسلام وحلاوة الإيمان.
سعدت كما سعد غيري بوجود بصمات الدكاترة «غازي القصيبي» في تعليمنا من خلال «حياة في الإدارة» وهذه خطوة أولى سنصل من خلالها للمراكز الأولى.
عندما يتطور الفكر يجب أن ينفك «التعليم» من تورطه الأزلي في دائرة «مناهج ثابتة» تتزين بالرسومات والديكورات وكأننا نقرأ مجلات فنية.. وأن يخرج من عباءة الرتابة والتكرار لتكون مناهج مبتكرة ترتدي الإبداع.
كي نصل إلى المنى والمبتغي ونرى تعليما يلامس العالمية ويعانق التميز وينافس الأمم لا بد أن تتجاوز نظرتنا التعليم من كونه «اجتياز ونيل شهادات» إلى «منبع للابتكار والإنجازات».