رجاء العتيبي
هل يمكن أن نقول هذه الأيام, هي أسوأ أيام لدينا مرت على المسرح، بعد أن كان ملء السمع والبصر, بعد أن كان في كل عام ترى عشرات المهرجانات, ومئات المسرحيات, وعدد من الندوات وورش العمل والدورات, هل يمكن أن نقول ذلك والعالم يحتفل اليوم بيومه العالمي 27 مارس؟ ألا يجعلنا ذلك نتحسر على فن أحبنا وأحببناه وكان حاضرا بقوة في زمن كان هناك من يحارب الفنون؟
تبعا للتجربة الطويلة في هذا المجال, أؤكد أن المسرح يعيش أضعف فترة مرت به ويمر بموجة انحسار مخيفة, لا اهتمام, ولا قرار محفز يعيد فيه الروح, ولا مواهب جديدة, ولولا الأعمال التي نراها هنا وهناك في مختلف مدن المملكة من بعض المخلصين للمسرح, لقلنا عليه السلام.
المسرح عاش فقيرا وسيموت فقيرا, وعندما أقدم البولندي غروفتوفسكي على تأسيس المسرح الفقير Poor theatre كان يعلم أن الدعم الذي يتلقاه المسرح لا يصل إلى دعم السينما الذي يصل للمليارات, لهذا قال: «إن المسرح هو ممثل ومشاهد» فقط, وحذف كل ما هو ضروري, وترك العرض يعتمد على الممثل جسدا وروحا وانفعالا, بل إنه قال: إن الديكور والإضاءة والماكياج والملابس ليس سوى أشياء (تزيف) العرض.
هل يلجأ المسرحيون للمسرح الفقير على الأقل ليس إحياء للنظرية, وإنما (الجود من الموجود), أما المسرح الذي يعتمد على (السينوقرافيا) التي تهتم بتأثيث الفضاء المسرحي, فلا أظنها قادرة على الصمود في وقت يعاني المسرح من قلة الموارد وندرة المواهب وغياب القرار الداعم له.
لا يعني أن انطلاق السينما: قرار, وصناديق دعم, واهتمام, ضياع المسرح, لا يعني انطلاق الترفيه: قرارا, وهيئات تدعمه, واهتماما, انحسار المسرح, لا يعني حضور السوشال ميديا واليوتيوب غياب المسرح.
لا أحد يقول إن ذلك يعود لقبيلة المسرحيين, كلا، وأبدا، وغير صحيح, يقول المثل الشعبي (من شبع تبيصر) اجعل المسرح غنيا كما اغتنت السينما هذه الأيام, وانظر كيف سيكون حاله, وانظر كيف يتسابق الكل للعمل في منطقته, ضخ المليارات على المسرح وسترى المواهب والأعمال المسرحية الإبداعية, والبنى التحتية في كل مكان.
لا نبحث عن دعم مالي سنوي (أبوي) ولكن نريده دعما لمرة واحدة, ثم سترى الجميع يعمل: مؤسسات الإنتاج, الفرق المسرحية, وورش العمل, الأكاديميات, وسترى أنظمة اقتصادية تظهر للوجود, وأعمال يحكمها (العرض والطلب), نريد رأس مال حكومي وأنظمة عادلة وسترى الناس تعيش المسرح في كل شارع وسكة.