د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
دبت الفوضى غير الخلاقة في منطقتنا من اليوم الأول لوصول آية الله خميني لإيران الذي أسس لطغمة دينية في إيران تفكر خارج العقل والعصر، وتروج لإيديولجية ظلامية أساسها نبوءة لا يمكن لعقل التكهن بصحتها وتستند على عودة للمهدي المنتظر، التي لا تتحق إلا بتدمير من حول إيران. ويحل مكان المهدي عند بعضهم الأئمة المعصومون ويعد الخميني أحدهم!! وتبنت إيران من اليوم الأول للجمهورية الخمينية إيديولوجية تقوم على عقيدتين: الأولى الانتقام من المسلمين غير الشيعة لمقتل الحسين قبل ألف وأربعمائة عام.. والثانية تستند على الأولى وهي أن هذا الأخذ بثأر الحسين يمهد لخروج المهدي من السرداب. ومثل هذه الغيبيات انتشرت في كثير من الثقافات، إلا أنها اختفت مع تقدم العلم والحضارة، ولم يعد أحد يفكر في إشعال حروب تستند علي مرويات غيبية.
وتسببت إيران بحروبها المختلفة حتى اليوم بتدمير أربع دول عربية، وتهجير مئات الآلاف من السنة الآمنين من مدنهم، وقتل اغتصاب الكثير منهم، وتهجير اثني عشر مليون عربي مسلم، واستبدالهم بشيعة من كافة أنحاء الأرض لتغيير التركيبة السكانية في هذه الدول. ولعل تدمير الدول العربية مطلب مشترك بين إيران وإسرائيل، ولذلك سكت عنه الغرب رغم بعض الأصوات التي احتجت عليه، ولكن بعض الدول الغربية قرر قبول أعداد كبيرة من اللاجئين على الوقوف في وجه التهجير والدمار.
والعرب اليوم بين كماشتين تستندان على نبوءات تاريخية متشابهة، إيران الفارسية من الشرق، وإسرائيل اليهودية من الغرب، تختلفان في الخطابات البلاغية الساسية، وتتفقان في الأهداف الإيديولوجية. ويرى البعض أن من أحد أهداف إنشاء إسرائيل تكريس التخلف العربي، ولكن تنصيب الحكومة الخمينية في إيران، دمر إيران وكثيراً من الدول العربية، وكرس التخلف فيها جميعها. فالتطور الاقتصادي والسياسي لكثير من الدول العربية توقف مع بداية النظام الإيراني المتخلف، وذهبت ثروات كثيرة أدراج رياح الحروب المستمرة التي أثارتها. وأثبتت الأحداث أن إيران أشبه بالورم السرطاني في المنطقة، الذي لا يقبل أيّ حل أو علاج وليس له إلا الاستئصال. وأثبتت المظاهرات التي هزت إيرن مؤخرًا أن استئصال السرطان الخميني في المنطقة ليس مطلباً عربياً فقط، بل ومطلب إيراني أيضاً.
واليوم هناك تطور لافت في مقاربة الدولة العظمى في العالم أمريكا تجاه إيران بعد أن أدركت الإدارة الأمريكية ألا اتفاق يمكن أن يعول عليه مع إيران. وتم تعيين بعض المتشددين تجاه التعامل مع إيران في الإدارة الأمريكية: جون بومبيو وزيرًا للخارجية، وجون بولتون رئيسًا للأمن القومي، ومواقفهما معروفة وتستند على ضرورة وقف التغول الإيراني بأي شكل، وهما معارضان للاتفاق النووي الغربي مع إيران ويرون في ذلك استرضاء مهيناً لإيران. وقد ساهمت الدبلوماسية السعودية وزيارة سمو ولي العهد إلى أمريكا مؤخرًا في تعميق هذا الإدراك. ولذا فمن المتوقع أن ترى المنطقة تشددًا أمريكياً غير مسبوق تجاه إيران، وربما يتم إلغاء الاتفاق النووي معها لسببين: أن إيران واصلت سرًا مسعاها النووي، وأن استمرار تصنيع الصواريخ الباليستية يشكل خطراً على المنطقة والعالم أجمع.
وهناك خياران متاحان لمواجهة إيران أحدهما عسكري والآخر غير عسكري. والخيار الأول لو تم تبنيه فسيتجاوز دماره كل ما شاهدته المنطقة من حروب سابقة، وربما استغلت روسيا ذلك لإشعال المنطقة برمتها، وقد تكون إسرائيل طرفًا في هذا الخيار الذي سينتج عنه تدمير تام لقدرات إيران وربما تقسيمها. إلا أن الدول المجاورة لإيران، ومنها دول الخليج، ستتضرر بشكل أكبر لأنها الأقرب لحدود إيران. وستكون الكلفة الاقتصادية لهذه الحرب، قياسًا بالحروب السابقة مهولة.
أما الخيار الثاني فيتمحور حول إلغاء الاتفاق النووي ومقاطعة إيران اقتصاديًا ومحصرتها وعزلها بشكل أكثر فاعلية من ذي قبل، أي أن تلتزم الدول الأوروبية بالذات بالتوقف عن أيّ تعامل علني أو سري اقتصادي مع إيران. ويستند أيضًا على تقصيص أطراف إيران بالقضاء على امتداداتها في الدول المجاورة: دعم التوجه العروبي في العراق؛ والقضاء على النفوذ الحوثي لليمن؛ وتخليص لبنان من قبضة حزب الله. وذلك كفيل بتفريغ السياسة من جانبها الدعائي التي تروج له بالداخل والخارج بانتصارها على دول الجوار، وهذا سيدعم الحراك الشعبي الإيراني المتصاعد في الداخل. فالشعب الإيراني يتطلع للخلاص من نظام الملالي بأيّ شكل، ويرونه خنق الشعب الإيراني اقتصاديًا بحجة تصدير الثورة. فغالبية الشعب الإيراني تحت خط الفقر وكثير منهم لا يصدق خرافات النظام ولا يؤيد سياسته. وربما يكون هذه الخيار الأسلم، فالشعب الإيراني باستثناء القطاعات التي أدلجها النظام، شعب يتطلع للسلام ولحياة أفضل بالتعاون مع دول الجوار.