خالد بن حمد المالك
لأن المملكة تُعتبر أكبر اقتصاد بين الدول العربية؛ فإن سمو ولي العهد في زيارته للولايات المتحدة سيجد المستثمرين الأمريكيين بانتظاره للتفاهم على الفرص المتاحة، والتوقيع على بعض الاتفاقيات أو المذكرات للتفاهم على المشروعات التي لم تكتمل المباحثات والتفاهمات عليها بعد؛ فالأمير محمد الذي أنجز في واشنطن الملفات السياسية والعسكرية والأمنية في لقاءاته بالرئيس ترامب وكبار المسؤولين في إدارته، من وزراء وغيرهم، بدأ الجزء الثاني الخاص بالملفات الاستثمارية.
* *
ولي العهد بدد المخاوف التي كانت في أذهان بعض الشركات الكبرى ورجال الأعمال المستثمرين بالقرارات التي مثَّلت تحولاً كبيرًا في سياسات المملكة، سواء بالأنظمة والتشريعات التي صدرت مؤخرًا مستهدفة تسهيل فرص الاستثمار الأجنبية بمرونة لم تكن موجودة قبل هذه القرارات؛ ليتبعها الحملة الكبيرة ضد الفساد، وكذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة وحضور المباريات الرياضية، ومن ثم السماح بإحياء الحفلات الغنائية، ودور للسينما، ضمن مجموعة من الإصلاحات التي مست جسم الدولة، ومنعت أي تعثر لهذا التحول في سياسة المملكة.
* *
هذه الصورة الذهنية الإيجابية التي جاءت انعكاسًا لهذه القرارات ما كان لها أن تكون بدون هذا التحول الذي قاده الأمير الشاب محمد بن سلمان بدعم من الملك سلمان؛ ولهذا فإن ولي العهد لم يجد أي عناء لإقناع الإدارة الأمريكية بسياسة المملكة كشريك مع الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب والتطرف، والاتفاق معها على أن إيران عنصر فاعل في الإرهاب وداعم له، وأن طهران مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة، كما أن الحل للوضع المتأزم في اليمن ينبغي أن يكون سياسيًّا؛ ما يعني أن على مليشيا الحوثي أن تتخلى عن سلاحها، وتستجيب لقرارات مجلس الأمن، وأن يعود النظام الشرعي لليمن، وينتهي الانقلاب، وتتوقف إيران عن دعم الانقلابيين بالسلاح.
* *
والآن، وقد بدأ الأمير في إنجاز ملفات الاستثمار بتنوعاتها، وتعدد مواقعها، على غرار نجاحه في الجانب السياسي والأمني، وعقده اجتماعات ناجحة عدة مع الرؤساء والأعضاء في مجلس النواب والشيوخ، ومع الحزبَين الرئيسيَّين (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي)، فهو الآن على أعتاب إنجاز مهمته الاستثمارية، بما يتيح للبلدين الصديقين الفرصة للاستفادة والإفادة لكل منهما، خاصة مع إطلاق رؤية المملكة 2030، وما صاحبها من تنظيم لقواعد الاستثمار الأجنبي، ومن قرارات هيَّأت المناخ الاستثماري للأمريكيين في أسواق المملكة، وشجَّعت السعوديين على الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
فقد قضى سموه بضع ساعات في بوسطن قبل أن ينتقل إلى محطته الثالثة، وهي نيويورك، وهناك اجتمع برؤساء الجامعات، وكبرى الكليات والمعاهد؛ لبحث مجالات التعاون بين المملكة والمؤسسات التعليمية في الجانبين العلمي والبحثي، وتعميق الشراكة معهم عبر مبادرات عدة وفق رؤية المملكة 2030. ومعروف اهتمام ولي العهد بالجانب التعليمي، ونظرته إليه بوصفه مفتاح الانتقال الجديد للمملكة إلى الآفاق التي لا تعتمد فيها فقط على النفط دون بدائل أخرى؛ ولهذا جاءت إعادة صياغة الكثير من الأنظمة؛ لتتماشى مع التجديد الذي تشهده المملكة.
* *
زيارة رسمية وتاريخية للولايات المتحدة الأمريكية بهذا المستوى، وبما حققته حتى الآن من نجاحات، تعطي إشارات على عمق العلاقات التاريخية بين المملكة وأمريكيا، بكل ما فيها من التزام ومصداقية، وهذا ما حاول الأمير محمد أن يؤكده للأمريكيين في خطابه في حفل الشراكة؛ إذ إن هذه العلاقة التي أسس لها الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1933 أظهرت إلى أي مدى تلتزم فيها أمريكا بما اتفقت عليه مع حلفائها، كما تظهر أن المملكة لا تفرط بأصدقائها حتى وإن شاب علاقتها خلال فترة الرئيس أوباما ما شابها من سوء فهم من جانب الإدارة الأمريكية؛ لتعود إلى وضع أفضل في عهد الملك سلمان والرئيس ترامب من كل السنوات التي مضت.
- يتبع -