د. خيرية السقاف
تترهل عزيمة الإنسان كما تترهل أنسجة جسده
كلما غذَّ في الوقت فقدت قِوامها وقوتها..
وهو حين يجد نفسه قد التفت عليه الدهون فتهدل بطنه, وامتلأت فخذاه, وساعداه, ثم تدلى جلده بثقله, طفق للأطباء, ولذوي الوصفات كي يتخلص منها, عله يعود رشيق القوام, متين العضلات, وهيهات ما جمعه الوقت, وخزَّنه الإهمال من أن يذوب في يسر, أو أن يختفي بسرعة, فلا قلة الأكل تنفعه حينذاك, ولا وصفات تُجار التجميل تجدي, ولا مشارط الأطباء بذات جدوى, ما لم تنشط العضلات, وتقوى لتهيمن على مخازن الدهون في جسمه, وتصد ترهله, تتماسك كالعزيمة, لا تدع للدهون أن تجد منفذاً, ولا مستقراً, كما تفعل فلا تدع للوهن, واليأس مستودعاً في نفسه..
ومع أن ما يستقر من الدهون في الجسم لا يتخلّى عن مكانه كما يتخيل المرء إلا بجهد بالغ, وإلا يبقى رخو العضلات, مترهل الجلد ولو قليلاً, فإن العزيمة حين وهنها, والتعود على إهمالها تفعل المثل في نفسه, إذ تترهل عزيمة المرء كلما ترك لليأس أن يتسلّل إليها فيستقر في مخابئ شغفه فيوهنه, ورغباته فيحبطها, وأحلامه فيطمسها, وطموحه فيبلِّده كما تفعل الدهون في مخابئ أنسجته فتضعف وتوهن وترهل عضلاته, وتمدُّ في جِلْده..
فللنفس مخابئ إن حرص المرء على ما يبقى فيها من نافع الباقيات, تكون مخزناً لما يثريه من نبيل السمات, ومفتاحها العزيمة فيها وهي مكمن القوة, وجذر الثبات..
المرء طيلة حياته لا يفقد كامل عزيمته, وإن وهنت, وترهلت, ففي أقصاها أن يأكل, ويشرب, ويتخلّص من الفائض, ويغفو للحظات, فكل فعل يقوم به, ويرغب فيه إنما هو ينطلق من عزيمة, وإن على أقل ما فيها تحركه نحو فعل من هذا المتعلّق بأفعال الحياة التي تدب في عروقه, متى خرجت عنه روحه من جسده, كانت معها, هذا الجزء من عزيمة الحرص على البقاء تأتي تلقائية الفعل في جسده, لكن فعلها الأبعد المتعلّق بأفعالها الأخرى خارج نطاق الجسم, إن ترهلت عجز عن بلوغ مراميها التي تمثّل غاياته الأخرى في الحياة منه هو الإنسان الفرد..
فمن تتوقد فيه عزيمته لا تموت آثاره..
العمل الدؤوب الذي ليس عليه أن تتوقف عنه عزيمته ليكون الفاعل في الحياة, ليس فقط بأفعال الأحلام في داخله, المنتظَرة في قائمة تنفيذها في المحيط البشري الذي يحتويه!!..بل هي المنفَّذَة بعزيمته الوقادة التي لا تعرف الوهن, ولا يعتريها الترهل..
وحين يجد الطبيب, والجراح, وصاحب الوصفات ليعالج ترهل جسم الإنسان, فإن هذا الإنسان لن يجدهم حين تترهل عزيمته, ما لم يكن ذاته هو الطبيب, والجراح, وصاحب الوصفة لينفض نسيج نفسه الكسل, والتواكل, كي تتخلص عزيمته من أي بادرة ترهل, وتنهض بفعل لن يشعر بقوته, ويحلق بقدرته إلا هو..
هو وحده السليمة أنسجة عزيمته تماماً..
وهو وحده الذي ستأخذه عزيمته نحو أرقى الغايات, وأجمل الأحلام, وأسمى التطلعات وأندر الأماني لتصبح واقعاً, وأثراً..
العزيمة مفتاح, ومناف..