عمر إبراهيم الرشيد
حفلت القمة العالمية للحكومات التي عقدت في مدينة دبي الشهر الماضي بوجود مفكرين وعلماء وقادة رأي وكتاب، ومن ضمنهم مؤلف كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) الصادر عام 1992م، الفيلسوف والكاتب السياسي الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكو ياما. سلط هذا المفكر الذي قد يتفق البعض مع أطروحاته وقد يخالفه البعض الآخر وهذا طبيعي، الضوء على أحوال منطقتنا الراهنة، وباختصار نمر على أبرز محاور محاضرته في ذلك المنتدى العالمي، إذ قال إن تونس أقرب دول ما سمي بالربيع العربي إلى قطف ثمار ثورة الياسمين التي قام بها الشعب التونسي ضد نظامه السابق، وبأقل الخسائر الممكنة مقارنة بالوضع المزري لباقي الدول التي شهدت ثورات مماثلة. العملاق الأصفر كما يسمي الجغرافيون جمهورية الصين الشعبية، تشق طريقها بتؤدة وبثقة لتأخذ مكان أمريكا اقتصاديًا وبالتالي سياسيًا في رأي هذ الأكاديمي الشهير، خصوصا بعد توالي الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي الحر في أمريكا والدول الغربية. أما ثالث المحاور فكانت عن نظام الحكم في إيران الذي توقع أن ينهار من الداخل، عن طريق ثورة شعبية طاغية. الملفت في تحليل هذا الكاتب أن هذه الثورة المتوقع فورانها ومن ثم شمولها إيران قريباً، وإن كانت قد بدأت بوادرها بالحدوث نهاية 2017، أن تبعات الاحتباس الحراري والتدهور البيئي المتمثلة تحديداً في الجفاف هي من دوافع الثورة، بحيث دفع الجفاف المتواصل منذ 14 عاما سكان الأرياف لغزو المدن الإيرانية بحثا عن لقمة العيش وهروبا من شح المياه وبالتالي جفاف الحقول الزراعية والمراعي مصادر رزقهم، مما شكل ضغطًا على سكان المدن المتضررين أصلا بفعل البطالة وتناقص فرص العيش. تحول الأرياف إلى مناطق بائسة لا تجد ما يدفع عنها غائلة الجوع والعطش، والمدن إلى تجمعات بشرية متعاظمة في ظل تناقص مطرد في الخدمات ومصادر الرزق، إضافة إلى كون الإيرانيين في غالبهم من جيل الشباب حاليًا الذين يبحثون عن فرص للعمل والإنتاج والنجاح والتواصل مع العالم بطريقة طبيعية، يضاف إلى كل ذلك انصراف النظام عن التنمية الطبيعية إلى إشعال الحروب والفتن في المنطقة، كل هذه العوامل مجتمعة إنما هي وقود ثورة عارمة قادمة كما يتوقع فرانسيس فوكو ياما مدير مركز (تطور الديمقراطية وحكم القانون) في جامعة ستانفورد الأمريكية.
عندما بدأت حكومة طهران بعد انقلابها على الشاه عام 1979م بفكر تصدير ما يسمى بالثورة وإشعال الفتن والحروب في المنطقة، بدأت إيران بالانحدار تنموياً وبشرياً، حين انشغلت حكومة ملالي إيران عن بلدها بمحاربة جيرانها بالوكالة حينا كما في لبنان واليمن حالياً، ومباشرة كما في سوريا والعراق. ولم تشعر بعد أو هي تشعر ولكنها سادرة في غيها، بأن النيران بدأت تأكل في أطراف ثيابها، وأن الشعب الإيراني قد سئم هذه الألاعيب التي لم تعد تنطلي عليه، كما في الحكمة العربية (يؤتى الحذر من مأمنه)، إلى اللقاء.