م. خالد إبراهيم الحجي
إن الشراكات الإستراتيجية الدولية شكل من أشكال التقارب والتعاون بين الدول لتوظيف الكفاءات وتحقيق التنمية والتطوير، والاستفادة من مواطن القوة عند الشركاء الآخرين. والدخول في الشراكات الإستراتيجية يعتبر ترحيباً وسعياً عملياً للتقارب من قبل كل دولة مع الدولة الأخرى لزيادة المشاركة بدورها الفعال في مسيرة التنمية التي ترسمها كل دولة لنفسها وفق رؤيتها الخاصة، والتعاون المثمر لتلبية المتطلبات وتحقيق الأهداف ورعاية المصالح المشتركة وحمايتها. ومعظم الدول تسعى للدخول في الشراكات الإستراتيجية الشاملة لما يترتب عليها من آثار كثيرة مفيدة، تتمثل في الجوانب الهامة التالية:
أولاً: جانب الزراعة والإنتاج الحيواني: يهدف إلى توفير المعلومات والخبرات الواسعة وإيجاد نظم زراعية حديثة لاستفادة المحتاجين منها، ومساعدة الحكومات لتحسين وتطوير الزراعة في مختلف دول العالم التي يقوم اقتصادها على الزراعة. وقد استفادت بعض الدول من التكنولوجيا الحيوية للزراعة في الري بالتنقيط واستخدام الطاقة الشمسية لتحسين التربة. وإنتاج الحبوب بالهندسة الوراثية والبحوث الخاصة بالمعالجة الإلكترومغناطيسية للمياه، وتحسين الأبقار وإنتاج الحليب باستخدام أساليب علمية متطورة، والاستعانة بالفحوصات الوراثية بهدف تحسين صحة الحيوان وزيادة الغلال الزراعية، مثل: الشراكة الإستراتيجية بين شركة المراعي السعودية ومزارع الأرجنتين لتأمين كميات الأعلاف الجيدة التي تحتاجها شركة المراعي لتغذية أبقارها في السعودية لإنتاج الحليب.
ثانياً: الجانب التجاري: يمثله منظمة التجارة العالمية، وهي: منظمة متعددة الأطراف تهدف إلى تحقيق الانفتاح التجاري وتنميته بين الدول الأعضاء عن طريق عدة إجراءات منها: أ): التخفيف من قيود التجارة الدولية مثل تحديد الحصص (كميات السلع المستوردة). ب): إلغاء القيود الكمية المفروضة على الواردات. ج): تنظيم العلاقة بين الدول الأعضاء وحل الخلافات والمعوقات والمنازعات التجارية بالمفاوضات. د): تبادل أفضل السلع والبضائع والمنتجات التجارية لتحقيق المنافسة الدولية في الخدمات والمنسوجات والملابس، والزراعة، والبضائع الكهربائية والإلكترونية بين الأطراف الدولية.
ثالثاً: الجانب الصناعي: يركز على تطوير المهارات الفنية لكوادر القطاعات الصناعية المختلفة، لزيادة التنمية وتحسين مستويات المنافسة في الصناعات المتقدمة، وبناء المصانع وتأمين القوى العاملة والأيدي الماهرة والكفاءات والخبرات المهنية العالية، ومنح حقوق تصنيع الماركات العالمية لتجميعها وتصنيعها على أراضي الدول الأخرى، مثل: الشراكة بين شركة أرامكو السعودية، والشركة السعودية للنقل البحري من جهة، وبين شركة هيونداي للصناعات الثقيلة الكورية الجنوبية من جهة أخرى لتشييد حوض ضخم لتصنيع وإنتاج ناقلات النفط العملاقة على الساحل الشرقي في السعودية. وإنتاج الصناعات العسكرية الحديثة بأيد وطنية مدربة مثل: الشراكة بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية وشركة أنتلوف الأوكرانية التي أنتجت الطائرة السعودية الأوكرانية «أنتلوف AN-132».
رابعاً: الجانب المعرفي والخبرة: تبادل الخبرات بين الدول لتحسين وتطوير السياسات المرتبطة بمشاريع التنمية لتعظيم الاستفادة من برامج النفقات الرأسمالية في الكيانات الحكومية، والمساهمة في خلق بيئات العمل القادرة على تحقيق أهدافها بطرق فعالة وكفاءة عالية، مثل: الشراكة بين الحكومة السعودية وشركة بكتل الأمريكية متمثلة في «مكتب إدارة المشروعات الوطنية» لخفض التكاليف وتقليص مواطن القصور في مشاريع البنية التحتية.
خامساً: الجانب السياسي: التفاهم والتقارب والاتفاق في وجهات النظر والآراء أثناء الحوار في مناقشة جميع المواضيع المهمة، والمسائل الحساسة والقضايا المصيرية، والوقوف على أرضيات مشتركة، ووضع الأجندات السياسية التي تخدم مصالح الطرفين. مثل الشراكة السياسية الإستراتيجية السعودية الأمريكية التي بدأت قبل (80) عاماً في القمة التي جمعت بين الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي «روزفلت» على متن الطراد» يو إس كوينسي» وخلالها انطلقت علاقة الشراكة التاريخية بين البلدين واستمرت حتى اليوم.
الخلاصة:
إن الشراكات الإستراتيجية ليست تقاربات وقتية أو مواقف عابرة وإنما عمليات مستمرة تزداد قوة مع مرور الوقت ونحن نكرس جهودنا لتحقيق المهام المشتركة لخدمة الوطن في جميع المجالات.