عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كنتُ أتصفّح مقتطفات صحفية قديمة، احتفظ بها تقديراً لقيمتها، فعثرتُ على رسمة (كاريكاتير) قديمة فيها الكثير من الطرافة والعبرة للرسام المعروف محمد الخنيفر، نشرتها صحيفة (الجزيرة) الغراء قبل حين، تحملُ تساؤلاً بليغاً هذا نصّه: (.. ومن يداوي ربعنا من ظاهرة «الإدمان» على الراحة)!
* * *
* وقد استلهم الرسام الخنيفر تساؤلَه آنفَ الذكر من نبأ تَداولتْه بعضُ وسائل الإعلام عن توجّه في اليابان لافتتاح مراكزَ نفسيةٍ لعلاج المدمنين على العمل من شبابها! وفُتِنَ خاطري منذ ذلك الحين بسؤال الأخ الخنيفر أو تساؤله حول الموضوع، فرسختْ في الخاطر وقفاتٌ لم يخْبُ ضياؤُها حتى الآن:
* * *
* ففي اليابان يهوى الشباب العمل (حتى الإدمان).. وقد يقدّم أحدهم نفسه (قرباناً) لفشله.. إذا أخفق، ويبلغ أمر هذا الإدمان حداً يحرَّضُ الحكومةَ اليابانية على التفكير في التعامل معه بالعلاج!
* * *
* وفي غير اليابان.. تُبذلُ الجهودُ.. وتُنفقُ الأموال، وتعيا الألسنُ والأقلامُ حثّاً للشباب على العمل، فلا يُقبل بعضُهم عليه إلاّ وهم كارهُون، بعد أن (أدمنُوا) الراحةَ، معللّين ذلك.. تارةً بنُدرةِ فرُص العمَل، وأُخْرى بمزاجية الانتقَاء له مكاناً ومهمةً وكيْفاً! ومنهم من قد يلُومُ الطقسَ ويُسقطُ عليه سبَبَ القعود عن العمل، لأنه في تقديرهم (غير المتواضع) إمّا حارٌ جداً، أو باردٌ جداً، أو مُغرٍ جداً بارتياد البرّ أو البحر، طلباً للراحة! وغير ذلك من المسوغات!
* * *
* وهناك من قد يزعمُ أن في شهر رمضان المبارك (واحةً) من الأعذار، للقعُودِ أو التَّراخِي فـي الأَداء، مع أن الشهر الكريم مناسبةٌ ربّانيةٌ لجهَاد النفسِ.. وترويضِ الهوى، واصطياد فرص العُلاَ، تَقرُّباً إلى الله بالعبَادةِ وتزكيةِ للذات بالعمل المفيد!
* * *
* دعُوني الآن أضيف إلى ما سبق فأقول:
1) لا نريد شباباً «يدمنُ» العملَ إلى حد يجعلُه يُنكرُ الراحةَ أو ينْسَاها، فيظلمَ نفسَه، ويرغمَها بالكللُ على الملل والبوار!
* * *
2) لا نريدُه أن (يُدْمنَ) الراحةَ، فيحرمَ نفسَه مما منحه الخالق، وما اكتسَبَهُ هو عبر السنين من معارف وخبرات، ثم تحوّله البطالة الإرادية إلى ما يشْبهُ بهيمةَ الأنعام.. بل قد يكون «أضلَّ» منها سبيلاً!
* * *
3) نريده أخيراً أن يَعملَ.. و يشقَى بعمله جداً وجَودةً وأداءً! نريده أن ينتجَ.. ويفرحَ بما أنتج عطاءً ومردوداً.. ثم لينَلْ بعد ذلك من الراحة ما تمليه فطرةُ النفس.. وحاجةُ البدن بلا إسراف يوقعه فريسة (الإدمان)!
* * *
وأخيراً..،
* لسنا في حاجة إلى الاقتداء بالإنسان الياباني أو غير الياباني، فنستوردَ منه أخْلاقيّاتِ العَمل وعاداتِه وضوابطِه! دينُنَا الحنيفُ حَافلَّ بالقيم والضَّوابطِ والُمثُلِ الكريمةِ التي تحضُّ على العمل، وتُحبَّبُ فيه، وتدْعُو إليه!
* * *
* تأملوا عظمة ودقة التوجيه الربَّاني الكريم في الحثَّ على العمل، والرفع من شأنه والدعوة إليه، حين يقولُ جلّ من قائل:{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} صدق الله العظيم.