د. خيرية السقاف
الذين كانوا يحلمون بالنعيم, كان النعيم الذي يتطلعون إليه هو الإنسان..
الإنسان الجميل فيما يقول
الجميل فيما يلبس
الجميل فيما يفعل
الجميل فيما يشعر
جمال قوله صدقه وتهذيبه
جمال الملبس ملاءمته, ونظافته
جمال الفعل إتقانه وتمامه
جمال الشعور نقاؤه وتنزُّهه..
وحيث يكون, يكون مكانه معطراً بشذاه, مكتملاً بكل ها الجمال فيه..
لذا وُسِمت الأماكن بأصحابها..
يقبل الناس على الحي الجميل بقاطنيه,
يجاورونهم ليطمئنوا, يشاطرونهم ليسعدوا, فمتى استقروا أمِنوا, إن غابوا فمطمئنة قلوبهم, وإن عادوا فمستبشرة وجوههم..
الجار صاحب حق, والراحل فواحد من أهل, حتى يعود..
المدن بأحيائها تتنامى, وبأناسها تنمو, تؤسس سمعتها, وتتنامى بهم..
الناس فيها كشجر الزهور تفوح أشذاؤها وتمتد بسعة فضائها..
المدن الفاضلة الآن في معمعة الأسمنت، والحديد, والكروم, والزجاج, والجبس, والرخام, والألمنيوم, وصادات الصوت, ومصاعد العلو, والقطارات المغلقة, والعربات المارقة,
بمساحاتها قليلة الخضرة, وبأناسها الطامعين في الثراء, أو الكادحين في طين المعاش
ما نصيبها من الجمال في ضوء ما في إنسانها؟!
ألا يزال هناك الحي الجميل بإنسانه؟
ليكون للمدينة الجميلة وجود بسكانها؟!..
إن ملايين البشر يتوالدون ويتزاحمون, والمدن تتسع, والأحياء تذوب فيها,
واقتناص الجمال صعب كما هو صعب الصيد في الماء المالح, لكن لا يزال فوق رؤوس الشجر ما يطرب من شدو, وفي عمق الصدر شهيق نسمات الفجر, وفي ذائقة الشم عطر تبوح به, وفي العين جمال شجيراته المتناثرة..
لا تزال بيوت بأسوارها تنعم بجمال من فيها, وجيرانهم!!..
لا تزال في النعيم !!..