د. محمد عبدالله العوين
ارتدت الجماعات التي عارضت التحديث لبوسا دينيا وقدمت للناس تفسيرات للنصوص مخالفة الحقيقة، واستخدمت إثارة المشاعر والعواطف الدينية فكان تأثير ذلك كبيرا في عوام الناس وجهلائهم وضعيفي التفقه كما هو أمر مألوف في أي مجتمع.
وقد تمثل ذلك في جماعتين أشرت إليها في الجزء الأول من هذا المقال، ولم تكن المساحة المخصصة تسمح بالاستطراد والإبانة عن أسلوب تعامل الدولة مع حركات التطرف الديني كما فعل الملك عبد العزيز -رحمه الله- مؤسس الدولة السعودية الثالثة حين تعامل مع جماعة «إخوان من طاع الله» بحزم قاد إلى الدخول معهم في مواجهة قتالية عام 1347هـ بمعركة «السبلة» بعد طول محاورة وجلسات نقاش مع العلماء المعتدلين الذين بعثهم الملك لهم؛ لكن لم يجدوا لدى المتطرفين آذانا صاغية، وكما فعل الملك خالد بن عبد العزيز -رحمه الله- مع جماعة «جهيمان» التكفيرية التي احتلت الحرم المكي الشريف مطلع 1400هـ في صبيحة اليوم الأول من محرم، ولم يكن من سبيل للتعامل مع تلك الجماعة الباغية إلا قتالهم والقضاء عليهم وتنفيذ أحكام الله فيهم؛ لإفسادهم في أطهر بقعة، ومنعهم الصلاة في الحرم ثلاث جمع، وإهدار دماء الأبرياء، والخروج على ولي الأمر، وتحريفهم النصوص الصحيحة بتقديم تفسيرات خاطئة بليها عن مرادها إلى مرادهم.
واليوم يقود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مواجهة شجاعة وجريئة متعددة الجبهات مع تنظيم سياسي وافد أسمى نفسه «جماعة الإخوان المسلمين» عمل طوال أربعة عقود على تغيير أسلوب الحياة في مجتمعنا، وقدم تفسيرات للنصوص الدينية مختلفة كل الاختلاف عن المفهومات الصحيحة المعتدلة التي سار عليها سلف هذه الأمة ونهضت عليها الدولة السعودية.
ومن المعلوم أن الزعامات المؤثرة التي بذرت أفكار تنظيم الإخوان في مجتمعنا لجأت إلى بلادنا منتصف الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي الموافق 1965م بعد حالات من الصدام الحاد مع النظام الناصري المصري وحدوث صور مؤلمة من الاضطهاد والتعذيب والإعدامات في السجون فاستضافت بلادنا عددا منهم واستضافت بلدان الخليج العربي أعدادا أخرى كالكويت وقطر -مثلا- ولكنهم لم يحسنوا إلى بلادنا التي آوتهم وأكرمتهم وحمتهم من المطاردة والأحكام الغيابية بالإعدام فعملوا على إنجاح ما فشلوا فيه في بلادهم التي وفدوا منها بتغيير أفكار شبابنا من جيل التسعينيات الهجرية من القرن الماضي والأجيال اللاحقة له من خلال مناهج التعليم والإعلام والأنشطة الثقافية إلى أن تفجرت أحداث 11 سبتمبر 2001م التي كشفتهم وعرت أهدافهم ووضعتهم في مواجهة العالم كله وليس في بلادنا فحسب.
يقود الأمير محمد منذ ثلاث سنوات سفينة الإصلاح وإعادة البناء وخطط النهضة والتحديث بإعادة الأمور في حياتنا الاجتماعية والفكرية والتعليمية والإعلامية والثقافية إلى مسارها الصحيح الذي كانت عليه قبل اختطاف مجتمعنا من قبل تنظيم الإخوان وعبثه بأفكاره واستقطابه شبابه وتهيئتهم ليكونوا أدوات تخريب وتعطيل وهدم لمجتمعهم، وتأجيج ووقود للفتن في مواضع الصراعات والحرائق والفوضى.