د. خيرية السقاف
وإنه لكي يتم الاستقرار النفسي, الوجداني للتحول فقد أخذت عجلته نحو استحداث مشاريع, واستحضار مستجدات لثقافة كانت مشاريعها عائمة في المفاهيم فجاءت النقلة بمفردات ثقافة تعيد للمفاهيم قِوامها بشكل يدفع المجتمع نحو مواجهة قوية للعالم من حولنا, وأول ما يرتجى من مقدرات لاستيعاب, واستلهام هذه الثقافة هو قبول خوض مضمار التطهير الوجداني إضافة إلى الذهني من كل ما علق فيهما ردحا من الزمن من مفردات كانت سلوكا يقصي المجتمع عن كثير مما هو على طاولة القياسات المختلفة في سلوك الأفراد, وتعاملهم, ونشاطهم حق للجميع, فأصبحت على أرض الواقع واقعا بقرارات سيادية تقر لكل فرد بنوعية حقوقه, وتلزمه بواجباته, وترسم له الجهة التي عنها يصل إلى ذاته, بما جاءت به الرؤية ببرامجها التطويرية, وأهدافها التطهيرية, ومنهجها المصحح لتحول قطع الأثاث من خانة لأخرى, تضيف ما تلح الحاجة إليه, وتُنقض ما لا فائدة منه, وتفسح في المكان ليستوعب مفردات النهضة, ويغزل منها كلمات, وجملَ النجاح, والتفوق الذاتي, والجمعي..
لكن في داخل الإنسان وجدان, لنفس راغبة في ازدياد تأمر, ولرغبات لا تنضبط إلا بوعي, وعلم , ومعرفة, ويقين, فالأبواب مشرعة بكل مفاصلها نحو العالم, والشراكات قائمة على أهبة الثانية واللمحة, والوقت لا يتيح للغر الصغير, ولغير المثقف العميق, ولا للذي لا علم له بأن يميز الفارق بين القيم في بيئته, ومجتمعه, وعقيدته, وبينها في المجتمعات الأخرى..
فمواجهة القيم المختلفة كي ينجو من آثارها الفرد, فالمجتمع, ولكي تبقى ركيزة وميزة فإنه يتعين انضباط الوجدان, ولهذا سبله التربوية, والفكرية, وهو ليس دور الفرد ذاته حين يكون صغيرا يقلد, وجاهلا يقبل, ومنبهرا يتلكأ, تغلبه نفس, وتأخذه دهشة , بل دور مؤسسات المجتمع التي ينبغي أن تضع في برامجها ضوابط الحفاظ على العناوين الرئيسة للقيم تحت خطوط المقبول والمرفوض , وأهمها التي تمثل الدين والأخلاق, فكما يرتجى من التغيير نموذجيته, فإنه يرتجى من الأفراد المنتمين لهذا البيت الكبير الوطن أن يكونوا كذلك. فهم العناصر التي تقام بها الأوتاد, أو تتردى.
ولعلنا نضع النبراس ما يكرره قائدنا سلمان حفظه الله عن القيم الأصيلة لهذا الوطن كلما تحدث للمواطن في أي لقاء, وكذلك في كل حديث لولي عهده الموفق بمشيئة الله محمد بن سلمان على مرأى العالم وهو يؤكد عليها, مع ما يبذله من أجل التخلص مما يحتاج إلى نقض , فنجد أنهما يؤكدان على الحرص على الهوية والانتماء بصدق, وإيمان, وعمل, ليتمكن المواطن من نفسه, فيكون شخصية مستقلة ذات حرية في اختياره , وقراره, لا نسخة من غيره, ويعي دوره دون التخلي عن أسسه, ويدرك ما يعنيه, ولا يأخذ مما لا يعنيه, ولا يفيد, فكل الذي يحدث من تطوير لا يعني المساس بالقيم, ولا نقضها, وإنما جعلها الزهور, وشجر الثمر, وظل المتكأ, وأرض الدار, وسقفه حين تعمل القلوب التي في الصدور بضوابط يقينها, وحسها النقي الذي لا تزاحمه قيم غيرها, ويكون حينذاك الفرد قد وعى الفارق تماماً, وتمكَّن هو ذاته من وجدانه الذي في جوفه.