كاتب فهد الشمري
إن الخيل كانت -ولا تزال- من أهم سمات واهتمام الإنسان العربي قديمًا وحديثًا.. ولعل التاريخ يشهد بذلك حينما نجد أن الشعراء لم يتغنوا بحيوان مثلما تغنوا بالخيل، سواء في جمالها أو سرعتها أو لطافتها أو شجاعتها أو وفائها.. ولو لم يكن لها نصيب إلا ما قاله أبو الطيب المتنبي لكان ذلك كافيًا، وذلك حينما قال:
الليل والخيل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ومع أن العلوم تقدمت، والتكنولوجيا تتسارع يومًا بعد يوم، إلا أنه يظل لهذا المخلوق محبوه وعاشقوه.. فعلى قدر ما يحمل البشر وحاجاتهم من مكان إلى آخر فإنه زينة، نص عليها الله في كتابه؛ لهذا فقيمته لا تقل مع مرور الأيام والشهور، ولا تضمحل بمرور السنوات؛ لأن الخير معقود بنواصيها إلى يوم القيامة كما ورد في الحديث الشريف عن الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
إن الاهتمام بالفروسية وأنشطتها ليس أمرًا عابرًا من الممكن أن يُقام على هيئة مسابقة أو كرنفال.. ومع تشجيعنا لمثل هذه الأنشطة إلا أننا نرى أن يكون الاهتمام بها شاملاً لكل نواحيها حتى تصبح ثقافة تُنشر، وكتبًا يقرؤها الأجيال جيلاً بعد جيل.
إنني - وبحمد الله تعالى - قمت في الآونة الأخيرة بعمل تجربة لنشر هذا الشعار من خلال إقامة معرض، تضمَّن العديد من المنشورات والكتب والتحف واللوحات الفنية التشكيلية التي نسجتها يد الفنان المبدع الدكتور إبراهيم الحمر، ودُعيت إليه العديد من الشخصيات التي تفاعلت معه.. وكان من أبرز تلك الشخصيات الدكتور سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام الذي استحسن الفكرة، وشدد على ضرورة أن تدرج هذه الثقافة ضمن المناهج التعليمية؛ وذلك لأهميتها، ولحاجة المجتمع والأجيال القادمة إلى فهمها. ولا أنسى هنا تقديم الشكر لإدارة نادي الفروسية ممثلة بمديرها الجديد الأستاذ صالح الحمادي الذي زار الإسطبل والمعرض. وقد فوجئت -حقيقة- بالنتائج المذهلة التي لم أكن أتوقع حدوثها من حيث تفاعل تلك الشخصيات مع هذا الحدث الذي لا يشكِّل إلا جزءًا بسيطًا مما تستحقه الفروسية منا من اهتمام.
لقد كان من نتاج هذه السباقات وزيارة المسؤولين للنادي أن تصب في مصلحة الفروسية؛ إذ وُقِّعت اتفاقية تعاون بين نادي الفروسية وجامعة الإمام على التعاون بين الجانبين، منها تعزيز فكرة نشر ثقافة الفروسية؛ الأمر الذي يبشر بالخير، وأن الفروسية هي في صميم اهتمام المسؤولين، وعلى رأسهم جميعًا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- الرئيس الفخري لنادي الفروسية، وسمو ولي عهده الأمين الذي وعد الملاك بحل مشكلاتهم.. وما صدر من قرارات سامية كلها تصب في خدمة الفروسية، منها رئاسة مجلس الإدارة وإدارة النادي الجديدة التي تتوافق مع رؤية 2030. وقد توج هذا الاهتمام معالي رئيس الهيئة العليا للشباب والرياضة الدكتور تركي آل الشيخ الذي نتوقع منه الكثير في دعم وتطوير هذه الرياضة الأصيلة.
إن الخيل والفروسية تاريخ داخل التاريخ، فهي التي شاركت الإنسان العربي تاريخه ومجده المليء بالفخر والاعتزاز؛ الأمر الذي يجعلنا جميعًا أمام مسؤولية تاريخية ووطنية؛ كوننا سكان الجزيرة العربية التي كانت - وما زالت - المهد الأول للتاريخ الإنساني والخيل العربي الأصيل.
ختامًا، أتمنى أن تعمم فكرة نشر هذه الثقافة، وأن تجد من يدعمها ويهتم بها؛ لأنها رسالة كل صاحب نفس كريمة.. فما عرف عبر التاريخ عن فارس إلا وقد كان شديد الإكرام لخيله، ومهتمًّا بفروسيته، وعلى رأسهم الملك المؤسس -طيب الله ثراه-.
وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وحفظ الله بلاد الحرمين ومليكها وولي عهدها ورجال أمنها وشعبها من كل سوء.