د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعد إقرار السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية تدخل السعودية واقعًا ملموسًا وحيويًّا؛ إذ تدخل هذا المجال بقوة ووضوح رؤية، وخصوصًا بعد التوقعات التي حذَّرت من ارتفاع مستوى الاستهلاك المحلي للطاقة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، أي ارتفاع خمسة في المائة سنويًّا رغم تراجع هذه النسبة عام 2017 بفعل قيام الدولة بوقف الدعم على المحروقات. وهناك توقعات من شركة الكهرباء أن يتضاعف استهلاك الطاقة خلال السنوات الـ15 المقبلة؛ ليصل إلى 120 جيجاواط بحلول عام 2032.
ترسم ملامح الرؤية الجديدة توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في الاقتصاد السعودي، وإدخال الطاقة النووية السلمية في مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه والمجالات الطبية، وخصوصًا أن السعودية تمتلك نحو 60 ألف طن من اليورانيوم؛ وهو ما يمثل نحو 6 في المائة من الاحتياطيات العالمية؛ لذلك جاءت السياسة الوطنية بتطوير المحتوى المحلي في قطاع الطاقة الذرية، وهي بحاجة إلى إضافة 9.5 جيجاواط من الطاقة كمرحلة أولى. والهدف هو الوصول بطاقتها النووية إلى 17.6 جيجاواط بحلول عام 2032، أي 10 في المائة من حاجة السعودية عام 2040، وهو ما يعادل بناء نحو 17 مفاعلاً بكلفة تقارب 80 مليار دولار.
تخطط الدولة أن تسهم الخطط في إنتاج 55 في المائة من الطاقة في السعودية من الطاقة البديلة، وبينها الشمسية والحرارية والنووية والرياح، وفقًا لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. وستكون التكلفة نحو 67 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وأنفقت السعودية خلال العقد الماضي 82 مليار دولار على مشاريع تتعلق بالكهرباء.
السعودية ترفع شعار محاربة الاستخدامات غير السلمية للطاقة بكل صورها، وعلى الأخص الطاقة النووية، وتبذل قصارى جهدها لمنع التوسُّع في الاستخدامات العسكرية للطاقة النووية، وساهمت في إنشاء مركز دولي متخصص في مكافحة الإرهاب النووي في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتبرعت بمبلغ عشرة ملايين دولار أمريكي للمساهمة فيه.
هناك معركة في واشنطن تدور بين ترامب وطهران حيال الاتفاق الموقَّع مع إيران بشأن برنامجها النووي. ويهدد الرئيس الأمريكي بإنهاء الاتفاق متهمًا إيران بخرقه مرارًا، وسط مخاوف من أن تكون طهران تعمل سرًّا على إنتاج أسلحة نووية؛ وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات عسكرية في الشرق الأوسط، أو انطلاق سباق تسلح في الشرق الأوسط، سببها عدم اليقين بشأن استمرار الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران؛ وهو ما جعل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يؤكد أن الرياض قادرة على تطوير قنبلة نووية إذا أقدمت طهران على ذلك في أقرب وقت ممكن.
رحيل تيلرسون يغير قواعد اللعبة فيما يخص السياسة الأمريكية تجاه إيران، وخليفته مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) بومبيو بوصفه استراتيجيًّا مناهضًا لإيران، وسيتوقف منهج أوباما الذي يقدّم مزيدًا من التنازلات لإيران، وخصوصًا أن ترامب أشار في أكثر من مناسبة إلى أنه لا يهتم بمثل تلك الاجتماعات التي لا تهدف سوى إلى الإبقاء على الخطة الشاملة المشتركة على قيد الحياة كسبيل لتنفيذ رغبة إيران قبل أي شيء آخر.
تنوي إيران تثبيت موقف الولايات المتحدة في وضع اللاحركة خلال الفترة المتبقية من فترة حكم ترامب. وعلى الرغم من ضغوط الاتحاد الأوروبي لم يتخذ ترامب موقفًا واضحًا بشأن الجلسة بين مجموعة 5+1 وإيران، وإن كانت إزاحة تيلرسون تعقِّد وساطة أوروبا في الاتفاق الإيراني، وخصوصًا بعدما اجتمعت في فيينا تطورات النووي، وطهران ترفض إعادة التفاوض.