فيصل أكرم
مقالتي هذا الأسبوع عبارة عن دردشة وفضفضة تتضمّن (حكمة) تتبعها نصيحة أحسبها هامة في وقتنا الراهن!
ففي الوقت المنتظر عادة من أمثالي كل عام، وقت إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب، كنتُ في الرياض بالفعل قادماً من القاهرة في زيارة خاطفة ومرهقة وحاسمة.. حيث عكفتُ على تفريغ كل محتويات مكتبتي المنزلية من أجل تسليم الشقة إلى مالك العمارة والافتكاك من عبء أجرتها السنوية التي باتت ثقيلة على مثلي بعد انهيار زمن الكتابة والكتب اللذين لا أجيد العمل على غيرهما.
أقول: أحبّ الكتبَ، كنتُ، كما لم أحب غيرها من قبل.. ثم أصبحتُ أكره الكتب، أكره قيد وجودها في مكان يكلفني التزاماً فوق طاقتي. وعلى هذه المعادلة انهمكتُ في تخليص نفسي من جبال الكتب التي تملأ شقتي غير الصغيرة، وقد بدأتُ المعاناة بمحاولة إهداء الكتب لجهة من الجهات الرسمية المعنية بالثقافة والأدب، غير أنني صُدمتُ بمن (يوجّهني) إلى كتابة (طلب) ويعدني بالموافقة عليه!
يا سبحان الله.. كم عانيت وتذللتُ في صباي وأول شبابي وتكويني الثقافي من أجل الحصول على كل هذه الكتب وقراءتها مرات ومرّات، ثم حين أنوي التخلص منها بإهدائها في أطباق هائلة من ورق أعاني وأتذلل مرة أخرى ولو كانت أخيرة؟ لا.. قررتُ أن أتصرّف، وبدأتُ الاتصال بمن أعرف احتياجهم لأنواع معينة من الكتب، وأهديتُ لهم ما أمكن؛ فبعضهم أخافته الكميات الهائلة فاكتفى بشيء منها على مضض!
وبعد هذه الخطوة المتعبة جسديا ونفسياً بدأت خطوة أخرى وأخيرة، وهي التبرّع بها للجمعيات الخيرية المنتشرة انتشاراً لم أشاهد مثله من قبل في الرياض.. ذلك لأنني لم أضع في نيتي ولا حسباني مجرد التفكير ببيع كتبي التي كلفتني رحلة عمري وأكملت لي تكويني المعرفي؛ فالتبرّع هو الطريق الوحيد الذي سمحت به لنفسي حتى أتخلّص من كتبي.
ومن هنا بدأت المشقة الجسمانية فقط، مع الارتياح النفسي.. ففي أول الأمر اتصلتُ بإحدى الجمعيات الخيرية وفهمتُ منهم أنهم يتقبلون الكتب من أجل بيعها لمصانع تدوير الورق والاستفادة من قيمتها في أعمال الخير.. وكان هذا الحلّ مريحاً لي تماماً، فكل ألف ريال دفعته في شراء كتب استفدتُ منها لا بأس أن يتحول إلى هللة يستفيد منها محتاج.
وبسم الله بدأتُ في فرز أرشيفي الذي اختلط - من كثرته - بجبال الكتب الأخرى، وفضّلتُ أن أحمل بيديّ (تكريماً لها) كل كمية أود التخلص منها - أو التبرّع بها - وأضعها في حاوية من حاويات الورق المنتشرة بجوار كل مسجد من مساجد الرياض، وقد أيقنتُ أنها للجمعيات الخيرية التي وضعتُ الأمر في ذمتهم واحتسبته عند الله. كانت زيارتي تستغرق أربعة عشر يوماً، وكنتُ في كل يوم أملأ شنطة سيارتي أكثر من عشرين مرة بالكتب، حاملاً إياها مرتين.. مرة من البيت للسيارة ومرة من السيارة للحاوية؛ ولي أن أتذكّر وأتخيّل الآن كم من المجهود بذلتُ وكم تبقى على عاتقي من جهد يجب أن أبذله لأكمل التخلّص تماماً من الكتب.. الكتب التي في هذه الأثناء بدأ اليوم الأول لمعرضها الدولي بالرياض، وفي اليوم نفسه سقط كتاب (أعمدة الحكمة السبعة) للورنس على قدمي أثناء حمل ونقل الكتب فتسبب لي بألم في كسر قديم أعاق حركتي ومنعني من زيارة معرض الكتاب كما اعتدتُ كل عام؛ وهكذا عجزتُ عن زيارة الكتب بسبب اضطراري إلى التخلص منها!
نصيحتي ختاماً: لتكون مثقفاً عليك بقراءة كتب تشكّل جبالاً شاهقة، ولكن.. لا تجمّعها وتحتفظ بها في مكان ليس ملكاً لك.