محمد عبد الرزاق القشعمي
فاجأني الصديق عبدالله حسين بمهاتفة من خارج الرياض يسألني عن علي العنيزان فقلت إنني على اتصال معه قبل يومين.. فقد طلب أن يزورني مساء السبت 10/3/2018م فاعتذرت لمشاغل طارئة.. وطلبت أن يكون ذلك بعد يومين.. وكنت أعاني وقتها من أزمة ربو.. فسأل أبو أحمد مرة أخرى. أولم تعلم عن أبو راكان شيئاً بعد ذلك. فنفيت له معرفتي.. ومن الحديث علم أنني بالمستشفى.. ولكن سؤاله أقلقني أكثر فألححت عليه فقال إنه تعرض لحادث سير أودى بحياته. فعزاني به.. واعتذر لأنه شعر أن وقع الخبر علي كان شديداً. علاوة على كوني بالمستشفى. فقلت له بعد أن ترحمت عليه ما قاله الشاعر:
كل أبن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
انتهت المكالمة.. وأنا أغالب حزني وأستعيد شريط الذكريات مع المرحوم بإذن الله علي بن محمد العنيزان والذي عرفته قبل ثلاثين عاماً مع مجموعة من الأصدقاء.. كنا نلتقي أسبوعياً في لقاء السبتية ثم الثلاثية. ولقاءات أخرى بمناسبات مختلفة.. ثم تطورت اللقاءات إلى حضور مناسبات ثقافية في استراحته بالثمامة شرق شمال الرياض (خزاز) أذكر منها: استضافة الأستاذ عبدالرحمن النعيمي من البحرين قبل مرضه الذي استمر سنوات ثم وفاته. وكذا استضافة الدكتور خير الدين حسيب من لبنان أثناء حضوره مؤتمر حقوق الإنسان بالرياض. إضافة لاستضافة الأستاذ عبدالعزيز السنيد والتحدث عنه وعن مسيرته مع العمال قبيل وفاته. وغير ذلك كثير مثل محاضرات للأساتذة: إبراهيم البليهي وصالح الخثلان وبدر إبراهيم...إلخ.
كان أبو راكان ينظم تلك اللقاءات ويدعو كثيرا من الأصدقاء والمهتمين لحضورها من الرياض وخارجها وحتى من خارج المملكة. فكان يشعرك بأنك صاحب المكان ولا تشعر به إلا من خلال خفة روحه وسعة صدره وسرعة بديهته وحبكه للنكتة المتناسبة مع المكان والزمان.
وعلاقته بأصدقائه بل بجميع معارفه تتصف بالوفاء والاحترام والتقدير، فقد نذر نفسه لخدمتهم وتقديم ما يستطيعه من مال أو جاه. فهو لا يغيرهم كما يفعل البعض ما داموا لم يغيروا قناعاتهم ومبادئهم. فحبه لوطنه ولعروبته وتألمه لما آلت إليه أوضاع العرب من فرقة طائفية وعنصرية وقبلية ومذهبية وإقليمية. فكان يشعر أن المستفيد من هذه التفرقة هو العدو فمبدأه (فرق تسد) ووصل إلى قناعة بأن مصير العرب طالما هم سائرون نحو الهاوية إلى ما آل إليه الهنود الحمر في أمريكا في السابق.
فكان كما علمت يجمع المراجع ويعد لتأليف كتاب عن هذا الموضوع.. فليت أولاده - بنين وبنات - ومحبيه الحصول على ما كتبه واستكماله لتخليد ذكراه بما أرقه رحمه الله.
بره بوالديه: رغم كونهما يقيمان بمدينة الرس إلا أنه في كل مناسبة يكون بينهما وكأن الرس إحدى حارات الرياض. وعندما يتعرض أحدهما لأي وعكة تجده دائم التردد عليهما نهايات الأسابيع أو يحضرهما أو أحدهما معه للرياض. حتى أن والده يصحبه للاستراحة ليجمعه مع أصدقائه وليسري عنه. ويخفف من معاناته. وفي السنة الأخيرة تعرضت والدته لأمراض كثيرة فأحضرها للرياض ورافقها بالمستشفى، ثم طلبت العودة للرس فكان لها ذلك رغم حاجتها للعناية الطبية الدائمة فكان لا يتبرم أو يشكو من صعوبة أو طول الطريق رغم أن سنه قد تجاوز السبعين وهو يقود سيارته بنفسه.
لقد كان رحمه الله كثير الأصدقاء من كل الأجناس والفئات لقد لاحظت ذلك عند حضوري لزفاف ابنه راكان قبل سنتين، إذ كانت القاعة تعج بعدد كبير من المملكة وخارجها. فكان يرحب بالجميع بكل تواضع ومحبة.
لقد حاولت أن أكتب شيئاً يليق بالحبيب ولكني لم أستطع.. إذ كتبت ما كتبته بعد أيام على فراقه وأنا على السرير الأبيض بالمستشفى.. فلم أحضر عزاء الراحل الكبير.. فعزائي لجميع محبي وأصدقاء علي العنيزان بدءاً بوالديه وبأولاده من البنين: راكان ومثنى ويزن وبناته أنصار وصبرة ووالدتهم رفيقة دربه ابنة عمه رقية بنت صالح العنيزان. و{إنا لله وإنا إليه راجعون}.