يومًا سنقطع تذكرة الذهاب دون الإياب, قدوم الرحلة بغتة دون سابق دعوة.
في يوم لا نعلمه، وفي ساعة ودقيقة لا نعلمها, أرواحنا ستصعد إلى السماوات في ثوانٍ, لا نعلم متى قدوم كل ما مضى يوم وساعة ودقيقة وثانية.
الأمس الذي كان في طي النسيان بعد رحيله لم نكن نعلم كيف سيكون, واليوم لا نعلم كيف حاله, وكذلك الغد كيف هي صورته, كل ما سبق الأمس واليوم والغد كُنَّا نجهلهم إلى أن مضوا.. علمنا ما لم نكن نعلم.
نحن البشر مهما بلغنا من العلم سيظل محدودًا.. جاهل من يتباهى بعلمه ومعرفته, وأحمق من يدعي معرفة كيف ستؤول إليه الأمور, وإدراكه لما يخبئه المستقبل في جعبته من حسن وقبيح.
أشياء كثيرة وقعت في حياتك وحياتنا بشكل عام من دون علم، منها:
- تحمّلك لصدمة خبر مفزع جاء إليك بلسان يُحبك صاحبه, قالها بتردد وعلى وجل ومع تمهيد مسبق, خوفًا عليك مِن أن تتجه نحو طريق مؤلم.
- نجاتك من موت محقق, لأكثر من مرة، وكأنك خُلقت بأكثر من روح!
- تجاوزك عقبة.. بل عقبات في طريق حياتك, كُنت لا تمني النفس بتخطيها، ولكنك أخطأت, وسرت في الطريق الصحيح.
- تكتب نصًّا أدبيًّا رفيع المستوى, مع أنك لم تتوقع الخروج بهذا المستوى.
- إجادتك مهارات مثل الإلقاء.. لم تكن تعلم أن في مقدورك إجادتها.
- نتعلم.. إلا أننا لا نعلم.
- تحدث أمور تُحبها وأمور تَكرهها.. مع غياب علمك عنها قبل حدوثها, ومع ذلك تتفاعل فتحزن لتلك الأمور التي تعتقد أنها سيئة، وربما تكون في صالحك.. وكل هذا لأنك لا تعلم.
... وغيرها الكثير.
كل ما مضى، وكل ما يحدث من الواحد الأحد, يكفي بأنه يعلم حتى عن سقوط الشجرة تلك, في إحدى الحدائق بعد أن استبدلتْ ثياب فصل قديم بثياب فصلٍ جديد.
يقف علام الغيوب على تدبيرها بحكمة إلهية, الذي لولاه لما علمنا ولما تعلمنا ولما علَّمنا, والذي نسأله أن يزيدنا علمًا؛ حتى نعلم ما كُنَّا لا نعلمه.
- فيصل خلف