انصب الاهتمام في الأفلام المرشحة لأوسكار 2018 على نقد السلطة السياسية والدينية والاجتماعية؛ ونجد هذا في الأفلام التسعة التي أخذت أعلى تصويت في ترشيحها؛ ففي الحين الذي تهتم الأفلام المرشحة بالسلطة السياسية في فيلميها (Darkest Hour” “Dunkirk”) فإننا نجد السياسي هنا قد خرج عن تمجيد السلطة السياسية الأمريكية ليركز على أثر بريطانيا وتشرشل على الانتصار في الحرب العالمية الثانية؛ فالصراع السياسي المطروق هنا هو تاريخي وليس معاصر؛ كما أنه يركز على قضية واحدة وهي الانتصار في الحرب العالمية الثانية؛ وقد جاء فيلم( Darkest Hour) ليحط الأنظار على دور ونستون تشرشل القيادي في هذه الحرب؛ كما أننا نرى الفيلم الذي حصد جائزة الأوسكار لهذا العام (The Shape of Water) يناقش السلطة السياسية من منظور أفضل مما تمت مناقشته في فيلم سابق في أوسكار 2016 )Bridge of Spies( الذي يظهر أمريكا القانونية الأخلاقية في تعاملها مع الجاسوس الروسي الأسير؛ بينما تم تعذيب الأسير في روسيا وانتهاك القوانين معه، فمنظور فيلم (The Shape of Water) حاول الخروج من السلطة السياسية كلها ليجعل الحل في (الحب) الذي صار بين الكائن الغريب الذي اختلفت عليه أمريكا وروسيا والخادمة في ذلك المختبر السري؛ وهنا نلحظ نقد لكلا الاتجاهين السياسيين الأمريكي والروسي؛ وجعلهما في اتجاه واحد مقابل للاتجاه الإنساني المعتمد على علاقة الحب مع كل شيء حتى وإن كان كائنا غير بشري.
كما أننا نجد التحول في نقد السلطة الأمريكية بانتصار القضاء للصحافة على البيت الأبيض الأمريكي في فيلم (The Post)؛ وهنا يظهر لنا ليس فقط نقد السلطة السياسية الأمريكية بل أيضا الإعلاء من السلطة الرابعة (الصحافة)؛ وإن كان هذا الفيلم ينتصر لجانب آخر من السلطة الأمريكية وهي السلطة القضائية إلا أنه استطاع أن يضرب السلطة السياسية في عمقها ممثلة بالرئاسة الأمريكية من خلال كشف الوثائق الدالة على الانتقام في حرب فيتنام السابقة.
ونجد أن نقاش السلطة الاجتماعية في الأفلام المرشحة لأوسكار 2018 تُظهر الاهتمام بعلاقتين مكررتين وهما علاقة (الحب) بين الذكر والأنثى؛ وعلاقة الحب بين المثليين الذكرين؛ ففي الحالة الأولى نلحظ الاهتمام منصبًا فيها عبر العديد من الأفلام المرشحة (The Shape of Water- Phantom Thread - Three Billboards Outside Ebbing, Missouri) ، وربما يظهر لنا في هذه الأفلام الصراع السلطوي للحب بين الحبيبين؛ فينتصر في فيلم The Shape of Water لكنه يترنّح في فيلم Phantom Thread إذ تطغى عليه القوة الذكورية التي تنازع سلطة الحب من خلال عدم إمكانية إرضاء الذكر/الحبيب إلا بمحاولة وضع العشبة السامة له ليمرض حتى تستطيع الحبيبة أن تطبّبه وتتقرب منه، لكن الحب يفشل فشلا ذريعًا في فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri حينما يستبدل حبيبته بأخرى صغيرة السن يقضي معها ما تبقى من حياته على كِبر سنه؛ بينما تتفرغ هي لقضية قتل ابنتها بالانتقام من كل السلطات.
وفي علاقة السلطة الاجتماعية بعلاقة الحب المثلية يظهر لنا محاولة بيان هذا الصراع بين السلطة الاجتماعية والمثلية الجنسية؛ ففي الحين الذي يوافق الأبوان على مثلية ابنهما باعتبارهما مثقفين والأب أستاذ جامعي في البيولوجي إلا أن قوة سلطة المجتمع لم تمكن الحبيبين من الاجتماع وفرضت عليهما العلاقة المعهودة الجنسية بين الذكر والأنثى؛ ولعل استحضار الوالدين المثقفين هنا يظهر لنا محاولة جعل تقبل المثلية الجنسية دليل وعي وثقافة كما كان من هذين الأبوين.
ويناقش فيلم Lady Bird السلطة الدينية المتمثلة في الأم الكاثوليكية التي تريد أن تفرض تعاليم دينها على ابنتها الطموحة حينما ترفض تعليمها إلا في الجامعة الدينية بينما تطمح البنت للتعليم الأكاديمي غير الديني؛ فتحاول التمرد على والدتها لكن سلطة الأم المتدينة تطغى على رغبة ابنتها؛ ويبقى الأب ضعيفًا في مناصرة ابنته لكونه فقيرًا لا يستطيع إرسال ابنته للجامعة غير الدينية ؛ وينتصر الفيلم على السلطة الدينية من خلال إشباع البنت لرغبتها في الالتحاق بالتعليم غير الديني إلا أنها لم تقطع العلاقة بأمها بل استطاعت أن تبين لأمها مجال الحب الشاسع في قلبها وإن خالفت رغبتها؛ ولعل هذه ميّزة استطاع الفيلم بها أن يقمع السلطة الدينية لكنه ينتصر للأمومة.
ومع كون الجائزة مُنحت لفيلم The Shape of Water إلا أني أرى أحقية فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri بها؛ وذلك لكون الفيلم استطاع أن ينقد كل السلطات المتفرقة في الأفلام المرشحة الأخرى؛ فتمردت الأنثى على السياسي (مركز الشرطة) وعلى الزوج الذي هجرها/الاجتماعي؛ وعلى الديني/القسيس الذي حاول صدها عن الانتصار لابنتها المقتولة؛ مما يحكي لنا إمكانية متميزة في معالجة هذه السلطات داخل فيلم واحد؛ كما أن الانتصار في هذا الفيلم لم يتخذ ردة الفعل الموافقة للجرم؛ بل إنها اتخذت سبيلا أكثر إيجابية حينما تنتصر لابنتها المقتولة من شخص مجهول؛ بالانتقام من شخص آخر قد فعل الجرم ذاته بفتاةٍ أخرى.
صالح بن سالم - محاضر بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز - قسم اللغة العربية
@_ssaleh_