سمر المقرن
سلسلة المواقف الإصلاحية التي مرّت بها سيرة الشيخ الأزهري محمد عبده، أخذت تعبر في ذهني وأنا أتابع مقابلة «المجدد» صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، في حديث واقعي وعزيمة صادقة يتحدث للبرنامج الأمريكي (60 دقيقة).. يبدو أن نقاط الالتقاء في ذهني بين الشخصيتين جاءت وأنا أرى الشجاعة التي يتحدث بها الأمير في رغبته في أن يُبعد عن الدين الإسلامي ما ألصق به من عادات محلية وأفكار شخصية وحِراك متطرف كان الهدف منه الإساءة للدين. الأمير محمد بن سلمان بصدق أصبح مصلح هذا العصر الذي قلّ فيه المصلحين وكثر فيه المستسلمين، إنه يواجه معركة عمرها أربعون عاماً كان كل من يرفض فيها التشدد والتطرف يعتبر طرف خاسر في المعركة، لكنه اليوم طرفاً قوياً وقادراً على خوض هذه المعركة والخروج منها بحالة لا تقبل أنصاف الحلول بل انتصار ساحق لصالح الدين الإسلامي الذي عبث به العابثون لسنوات طويلة وكنّا نحن الضحية!
اليوم نحن نستيقظ من تلك الحالة الموجعة، التي أكد سموه في لقائه أنها لا تقبل التبرير. سألت نفسي عدة مرات: (هل كنت أحلم بمثل هذا الواقع؟) أن يأتي هذا الشخص ليسابق الوقت في تغيير فكر أصعب مجتمع وفي زمنٍ قياسي. شخصياً كنت أعلم أن التغيير قادم للسعودية لا محالة، لأن التغيير هو سنة طبيعية للمجتمعات الإنسانية، لكنني لم أكن أتوقع مطلقاً أن أرى وأعيش هذا التغيير، بل كنت أتوقع أن ما نعيشه اليوم قد يعيشه أحفادنا القادمون، وأن جيلي ومن بعدي ممن عانينا من تبعات التشدد الديني سنظل الحلقة الأضعف ونستمر نحارب بأضعف الإيمان تجاه التشدد وهي حرب الكلمة. اليوم لم يعد هناك مساحة للجدل العقيم، انتهى زمن التشدد وعاد المتشددون إلى جحورهم خائفين من وهج ضياء الحياة التي فرضتها متغيرات أتت بعزيمة من رجل صادق في تجديده وتغييراته.
بالأمس القريب كانت معظم نقاشات المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي لا تتحدث إلا عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخوف ورعب، واليوم الناس مبتهجة لا تتحدث إلا عن هيئة الترفيه.
بالأمس كان حضور المرأة على استحياء، واليوم صارت حاضرة في كل محافل الحياة. قبل يومين تروي لي صديقتي هدى والتي تعمل في أحد المستشفيات عن مراجع في الخمسينات من عمره يفتح لها الباب وهو يقول لها ومعها مجموعة من النساء: «تقدموا قبلنا وأطلعوا أول وخذوا مساحتكم لأنكم الآن أخذتوا كل شيء».. كانت تتحدث لي هدى عن هذا الموقف البسيط بفخر شديد تقول: (تذكرت وقتها الأمير محمد بن سلمان وشعور بالامتنان تجاهه لا يوصف).. هو أقل ما يمكن أن نشعر به هذا الامتنان، فليست هدى وحدها من تشعر به.