د. عبدالرحمن الشلاش
أمام أي مجتمع ينشد التحول في طريق التقدم مسلمات أساسية بدون وجودها راسخة قوية لا يمكنه التحرك خطوة واحدة نحو الأمام، بل ربما تكون خطوة للأمام وعشراً للخلف. من هذه المسلمات ثقافة المجتمع العالية وقابليته للتطوير وإيمانه الكامل بضرورات التغيير، وأهم تلك الضرورات تغيير القناعات المنغمسة في واقع التخلف وتحريرها لتكون قناعات إيجابية تتفاعل مع الجديد وتركب القطار المتجه للمستقبل الأفضل وهي في كامل الجاهزية ,فما الفائدة من وسائل نقل متطورة تتوقف في كل محطة لسنوات طويلة بسبب خلافات الركاب التي لا تنقطع.
أيضا لعلنا لا نغفل أجهزة الحكومة والقطاع الخاص فعلى مدى جودتها تتوقف أمور كثيرة، فالتقدم لا يمكن تحقيقه بأجهزة عليلة ينتشر فيها الفساد، وتلعب خلايا الرفض والتعطيل المتغلغلة فيها والقريبة منها ما يؤدي إلى إيقاف كل القرارات الإصلاحية، وقد عانت دول كثيرة من هذا الداء، لكن دولة مثل ماليزيا وهي نموذج إسلامي فريد تخطت عقبات لا حصر لها وانتقلت من مجتمع زراعي بسيط تصل نسبة الفقراء فيه إلى70% وتتفشى فيه آفات مدمرة مثل الأمية والجهل والتخلف والكسل إلى دولة ذات اقتصاد متين بفضل تطورها الصناعي والسياحي.
ثلاثة أسباب رئيسة لتقدم ماليزيا بشكل أبهر العالم هي الجغرافيا البحرية، وأغلبية السكان المتسامحة بوعيها العالي جدا، والأقليات العاقلة.
مهاتير محمد كان يؤمن بالعلم والتقدم والتوكل لا التواكل فهو يمضي على مبدأ « إذا أردت أن أصلي فسأذهب إلى مكة وإذا أردت المعرفة فسأذهب إلى اليابان «. كان طريق النهضة الماليزية محفوفا بالكدح والعمل والانفتاح على العالم، وكانت الوسائل الاهتمام بالتعليم العصري المؤدي للتقدم بدءاً من رياض الأطفال، وليس لأحد وصاية على التعليم وتعطيل تنفيذ سياساته الطموحة، والصرف في الأوجه الصحيحة على التعليم والتأهيل والتدريب، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب والشفافية مع الشعب، ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وتبسيط الإجراءات وتقليل الموافقات والتصاريح للقضاء على الرشوة.
استخلص مهاتير محمد من الإسلام التعاليم الأساسية التي تنادي بالعدل والإخلاص في العمل، وترك التفسيرات الخاطئة بل ومحاربتها، ما يؤكد أن الإسلام دين تقدم لا تخلف، بل أنه يدعو في جوهره للعمل وعمارة الأرض فالمسلمون الأوائل شيدوا حضارة عظيمة ما زالت آثارها باقية إلى يومنا هذا، لكن بعض سلوكيات من يتخذون منه غطاء وستارا تجنح للتخلف ومحاولة إعاقة أي ركب للتطوير تحت ذرائع و مبررات وتفسيرات لا توجد إلا في عقولهم الضيقة، ورؤيتهم المحدودة.
تلك العقول التي ما زالت تدعو للتصنيف وتحرض على الكراهية داخل مجتمعنا بل تقسمه ليس إلى مذاهب فقط بل حتى داخل المذهب الواحد بين جامي وسلفي وإخواني، وهنا الخطورة فلا يمكن للمجتمع النهوض إلا بالدعوة الصادقة للوحدة والتعايش بسلام من أجل بناء وطن أكثر ازدهارا. التحليل والتحريم دون أدلة من أجل المنع والرفض، وغيرها من بقايا تخلف وتراجع تحتاج لإزالة تدريجية بالتثقيف والتوعية من أجل وطن مزدهر منفتح على كل جديد في طريقه لتحقيق رؤية القيادة الرشيدة.