موضي الزهراني
من أقوى الأسباب تأثيراً في تأخر المجتمعات وتفككها، ودمار أي مشروع تنموي هو «تفشي الإحساس بالظلم وهضم الحقوق» بين شعوبها! ومن الأقوال المشهورة «بأن العدل أقل تكلفة من الظلم والأمن أقل كلفة من الحرب» لذلك فإن صدور القرار الوزاري رقم 43 وتاريخ 1 - 2 - 1428هـ للموافقة على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد لم يكن عبثاً! فالنزاهة تحتاج لحماية واستمرارية وذلك من أجل استقرار المجتمعات وتقدمها، والفساد يحتاج لمكافحة ومحاربة من أجل إحقاق الحقوق لأصحابها وتفشي العدل مما ينعكس أثره الطيب عاجلاً على تنمية الوطن وولاء ووطنية المواطنين! فالفساد من الجرائم ذات الوجوه المتعددة التي قد لا يتم اكتشافها بسهولة خاصة عندما تغفل عين الرقابة عنها، ومن أسوأها التلاعب بالمال العام وتبديده وإساءة استعماله، واستعمال السلطة، والإثراء غير المشروع، والغش التجاري، والجرائم المحاسبية، فهو لا يرتبط بنظام سياسي معين، بل يظهر عندما تكون الظروف مواتية، وموجود على المستوى الدولي! لذلك فإن مسؤولية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عظيمة جداً أمام الله سبحانه لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
خاصة أن المنطلقات التي ترتكز عليها الاستراتيجية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد عظيمة وتنصب في مصلحة تحقيق أهدافها التي تركز على «حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره، تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد، توجيه المواطن والمقيم باحترام النصوص الشرعية والنظامية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع» وغيرها من الأهداف التي تحتاج لوسائل مختلفة من أهمها «اختيار المسؤولين في الإدارات التنفيذية التي لها علاقة بالجمهور من ذوي الكفايات والتعامل الحميد مع المراجعين، ومراقبة الموظفين في تنفيذ المعاملات» ولكن لا نغفل عن أهمية زرع الثقة والأمان للمواطنين المطلَعين والمكتشفين للفساد بأنواعه المختلفة في بعض القطاعات، وحمايتهم مما يلي ذلك! فالتخوف من التبليغ وآثاره له دور كبير في تفشي الفساد وسيادة القائمين به للأسف الشديد! وبالرغم أن مؤسسات المجتمع المدني ينتظر منها تفعيل دورها العظيم في توعية المواطنين والمقيمين وتعزيز السلوك الأخلاقي لديهم من خلال «حثَهم على التعاون مع الجهات المعنية بمكافحة الفساد والإبلاغ عن جرائمه ومرتكبيها، وتحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية وخاصة ذوي الدخل المحدود، وتحسين رواتب الموظفين العاملين في المراتب الدنيا» إلا أن المخاوف من التبليغ تؤكد بأن الفساد لا يرتبط بالفقر فقط بقدر علاقته بالمبادئ الأخلاقية والنزاهة في السلوكيات العامة، فالتطلعات ما زالت مستمرة نحو التغيير الجذري لقوله تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.