د. زايد الحارثي
في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر جمادى الآخرة لعام 1439هـ 13/3 من عام 2018م فاضت روح الشيخ عبدالعزيز بن راجح الحارثي إلى بارئها، بعد حياة مليئة بالدروس والعبر أحسب أن من الواجب ذكر بعض من محاسنه عملاً بالقول «اذكروا محاسن موتاكم».
وبقدر ما فجعني وآلمني وفاة هذا الرجل وهو رمز وشيخ من شيوخ بني الحارث بل ومن شيوخ قبائل المملكة قاطبة استوجب التسليم بقضاء الله وقدره.
فالموت -هو الحقيقة المرّة- كما ذكر الشيح والعلامة محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- يغيب معه من يعز على الإنسان من قريب أو صديق أو كائن من كان ويتوقف من يسمع عنه أو يشهده عند هذه الحقيقة المرة بين حزن ورجاء - حزن على فقدان القريب ورجاء في الله سبحانه وتعالى خالق البشر والكون ومقدر الأقدار في أن يتغمد الميت بالرحمة والمغفرة، حيث لا رحمة بعد رحمته ولا عفو بعد عفوه، فنسأل الله أن يغفر لأبي خالد ويرحمه ويعفو عنه، ويتبين عما فعل مما نعلم ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
إن ما أعرفه من الشيخ عبدالعزيز ويعرفه الكثير من أمثالي منذ صغري في قريبة ميسان بني الحارث إلى أن توفي -رحمه الله- دروس وعظات وعبر تسجل للأجيال وللتاريخ، ولو اخترت خصالاً عدة أو سمات لأبي خالد - رحمه الله - لوجدت نفسي غير قادر على الحديث عن تفاصيلها، فهو رجل في أمة في التقوى والكرم والشهامة والتضحية والإيثار، فمن لا يعرف أبا خالد في مدينة الطائف وما حولها في كرمه الحاتمي الذي اشتهر به لمن يعرف ولمن لا يعرف حيث بيته في الشهداء الشمالية مفتوحاً طوال اليوم يعرفه القاصي والداني بل هو معلم لكل أفراد الحي حيث تعرف منازل أهل الحي من خلال بيته، فهو قوقل في بالتعريف لأن من دخله وجد فيه الترحيب والتكريم والفزعة والعطاء من أبناء حيه أو قبيلته أو القبائل الأخرى، وهذه سمة كانت تجري في دمه وكأنها جين وراثي ولعمري يا لها من خصله. أما شهامته هي كذلك مضرب مثل بين كل من يعرفه وفزعته بمن يستجير به أو يستفرع به حتى أنك لتجد وقته وهو في منزله ليس له بل هو لاستقبال المحتاجين لقضاء مصالح أو للتصالح مع آخرين، فقد كان -رحمه الله- مفتاح خير مغلاق شر بين القبائل وبين أبناء قبيلته في الصلح بينهم وحل خلافاتهم، مثله مثل الشيخ سعد بن حامد والشيخ رده بن معيض -رحمه الله. وفي كثير من الأحوال يكون ذلك على حساب وقته ووقت أسرته ومن ماله الخاص، وقد عرف في ذلك بين المسؤولين في المحافظات وإمارة الطائف ومكة، وكم يتمنى الإنسان أن يكثر الله من أمثاله، فكم من خلافات ونزاعات تدخل فيها مع صفوة قليلة أمثاله وأسهموا في حلها...
ولم تتجل صورة الشجاعة والكرم في الشيخ عبدالعزيز لوحدها مما جعلني أصفه بأنه أمة في رجل بل تضحياته بما يملك من إمكانات شخصية وأخلاقية لقضاء مصالح من يحتاج في الشفاعة في طلب وظيفة لمن يطلبه أو إخراج سجين عليه دين أو المطالبة والرفع بإنشاء مستشفى أو مدرسة أو مصلحة لأهله وقبيلته وأبناء وطنه فتجده في الدوائر الحكومية في الغربية وفي الرياض وغيرها يسعى ويبذل وقتاً ليس بالهين في السعي والمثابرة حتى يحقق حاجة لمن يستحقها. وفي مقابل ذلك يتجاهل نفسه وأبناءه وأسرته المقربين من السعي لهم أو لنفسه في تحقيق منصب أو جاه أو ثروة، فكل وقته وما يملك للآخرين، وحسبه والله حسبه ممن ينطبق عليه قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
ولا يمكن أن أنهي حديثي عن مآثر أبو خالد -رحمه الله- ما لم أنوه عن مواقفه ومبادئه نحو وطنه وولاة أمره في كل الأحوال والأزمان، فهو دائمًا مثال في الولاء والوفاء والحب والعرفان، فتجده دائمًا في مقدمة الصفوف بين أبناء قبيلته ووطنه في التعبير والفعل في والاصطفاف مع الوطن والملك.
إن الحديث عن رجل بل شيخ مثل عبدالعزيز بن راجح -رحمه الله- يحتاج إلى مؤلف خاص لعله يفي بذلك ولكني اختتم بما يستحق أن يكون مسكاً كما يقال ختامه مسك.. ذلك هو تقوى الرجل وخوفه من الله، كما أسأل الله أن يكون ذلك شافعاً له في قبره ويوم العرض عليه، فقد كان الشيخ عبدالعزيز -رحمه الله- لسنين طويلة يتفرغ تفرغاً كاملاً في رمضان بالاعتكاف في الحرم للصوم والعبادة، وقد ذكرت أحد أبناءه بها حين قمت بتعزيته مع علمي بمعرفتهم بها ولكنها من قبل الذكرى، كما لا حد لمآثر الرجل رحمه الله.