رحم الله الصادق الصدوق، العاف الكاف عن أعراض الناس، الذي كان له وهج خاص في المجالس، والذي لا تكاد تسمع منه إلا ما يسرك من حلو الكلام وجميل الحديث، إذا تكلم أوجز وإذا أوجز أفاد، يستمع إليك أكثر مما يتكلم معك، أكره ما يمقت أن يذكر أحد من الناس في حال غيبته، يكره الغيبة والنميمة والخوض في أعراض الناس، عرفته منذ عرفته وهو معرض عن الناس ووطن نفسه وأبناءه وإخوانه على ذلك، وأحب ما رأيته منه مروءات تتوالى بصمت وأعمال خير يبذلها بظلمة ليل لا تعرف شماله ما أنفقت يمينه، رجل استقامة وصلاح ووصل لرحمه وأصدقائه ووفاء خاص لهم وخاصة لمن سبقوه إلى الدار الباقية ورحلوا عن هذه الدار الفانية ومنهم أخي الأكبر أحمد -رحمه الله- الذي لم ينقطع كلما رآني والتقيت معه بالترحم عليه والتأسف على فقده وفراقه، إذ كانت تربطه به علاقة صداقة وأخوة في الله لا لمصالح دنيوية عابرة، وكثيراً ما كان يذكرني بمحاسنه وفاءً منه، أسأل الله أن يجمعنا معهم في الجنة، لقد كان عبد الرزاق بن علي العبد الكريم رجلاً صالحاً عاقلاً لبيباً ذا عفاف وسمت وسماحة، شديد الخوف من الله دائم الذكر له واستحضاره والتذكير بنعمه ووجوب شكرها، ودائماً ما أسمع أصداءها على لسانه حيث بعدما أصيب بمرضه الذي لازمه طويلاً كان صابراً محتسباً بقضاء الله وقدره وحامداً وشاكراً لم يتبرم أو يتأفف وهو يتألم وخز المعاناة والألم مع مرض الفشل الكلوي وجلسات الغسل وكلما سألته عن صحته حمد الله على فضله ونعمه وقال «الحمد لله بأحسن حال الله يديم علينا وعليكم الصحة والعافية». أسأل الله العلي القدير أن يجعل كل ما أصابه تكفيراً له وطهوراً، لقد كان نعم الرجل ونعم الأخ ونعم الصديق ونعم الرجل الصالح في المنبت الصالح لأسرة فاضلة كريمة تواقة للمراجل والمكرمات والخيرات وعلى رأسها والده الشيخ علي العبد الرزاق العبد الكريم رجل البذل والكرم والخلق الكريم والذكر الطيب مما كون له رصيداً من الذكر الحسن والسمعة الطيبة والشهرة الواسعة، وإذ كنا نعزيه اليوم في ابنه البكر عبد الرزاق إنما نحن نعزي أنفسنا بفقده، وعزاؤنا وعزاؤه أن عبد الرزاق رحل عن هذه الدنيا الفانية بعد أن ترك رصيداً حياً باقياً من المكارم والمروءات والوصايا التي تعلمناها منه - رحمه الله - وأنا واحد ممن استفاد من معين رأيه ونصحه وهو الدال على الخير يحب لغيره ما يحب لنفسه كريماً مضيافاً كثير الخير والسؤال عن معاره وأصدقائه، إذا ما غبت عنه هاتفني سائلاً بعتب المحب «وراك ابطيت عنا»، وهو الرجل الذي يتفق الجميع على مجامع رجولته ودماثة أخلاقه ومحبته، ليس له مبغضون، نقي السيرة والسريرة، هكذا نحسبه وهكذا عرفناه هيناً ليناً في أموره كلها، بساطته وتواضعه مع الصغير والكبير، تراه أول من يتقدم الواجب ويقدمه على الرغم من اعتلال صحته، فرحم الله الرجل الذي أحبنا وأحببناه وجعل ما أصابه تكفيراً له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وجمعنا وإياه في مستقر رحمته وجبر الله مصيبتنا في فقده وجعل الخير متواصلاً في عقبه أمين، وألهم والده وإخوانه وأبناءه ومحبيه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}.
** **
- فهد عبد العزيز الكليب