سلمان بن محمد العُمري
عند الأسواق التجارية وعند الإشارات المرورية، وفي المساجد وأمام المنازل، وفي المتنزهات بل وفي المهرجانات وقصور الأفراح، وأمام صرافات البنوك، وعند الفنادق والمستشفيات، وحتى في المقابر ودور العزاء لابد أن تجد متسولاً أو مجموعة من المتسولين، ومن جنسيات محددة ليس في المدن الكبرى بل تعدى ذلك إلى المدن الصغيرة، وهؤلاء المتسولون بمختلف الأعمار تجد الطفل الصغير ذا الأربع سنوات وحتى الكهل الذي تجاوز الثمانين والجامع بينهم ليس الحاجة بل عصابات منظمة ترعى جلبهم تهريباً وإيواءهم وتوزيعهم على المناطق المذكورة بعاليه، ومن ثم جمع الغلة وما من عذر ولا وسيلة ولا طريقة إلا واستغلوها لدر عواطف الناس، وربما تعدى ذلك بالدعاء عليك إن أنت لم تجب طلبهم وتقدم لهم ما يريدون من مال!!
والتسول ليس بالجديد، كانت هناك دائرة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية على قلة حيلتها كانت تمارس دورها في المكافحة، والآن لا ذكر لها، وكان المتسولون قلة قليلة، ولكنهم في السنوات الأخيرة أصبحوا يشكلون ظاهرة سلبية لا تنتمي لمجتمعنا، ولكنه ابتلي بهم وبطمعهم وحيلهم ولقي هؤلاء من يعطف على مشاعرهم الكاذبة ودموعهم السخية وأصواتهم الشجية، وما علم المنفقون لمن يدفعون؟ وأين تذهب فلوسهم فهي لا تذهب للضعفاء بل لعصابات وتنظيمات ترمي بهؤلاء الأطفال والنسوة والعجزة في الشوارع والأحياء، والأسواق، وكيف يؤخذ منهم المحصول مقابل مبالغ تسلم لأهلهم في بلدهم.
هذا العدد الهائل من المتسولين يتطلب منا جميعاً أن ننتبه لهذا الخطر الأمني والاجتماعي، فكيف دخل هؤلاء إلى البلاد، ومن آواهم، ومن يقوم عليهم، ومن استخدم هذه الطرق اللا إنسانية مع هؤلاء الأطفال فلن يمنعه الطمع والجشع وضعف الوازع الديني في أن يستخدمهم في محرمات أخرى ليس التسول من بينهما كجلب المخدرات أو المحذورات الأمنية أو ما يهدد أمننا ومجتمعنا.
وما زالت الأوامر السامية والقرارات الوزارية تصدر في مجال مكافحة التسول وآخرها ما صدر هذا العام من مجلس الوزراء الموقر وقبل بضعة أشهر بتحديد مهام وزارتي الداخلية، والعمل والتنمية الاجتماعية واختصاصاتها في مجال مكافحة التسول وتفعيل مكاتب جديدة في المناطق الإدارية التي ليس فيها مكاتب، واستمرار قيام قوة أمن المسجد الحرام، وقوة أمن المسجد النبوي بمسؤولية مكافحة التسول في الحرمين الشريفين.
إننا بحاجة ماسة لإجراءات وقائية تمنع دخول هؤلاء والضرب بيد من حديد على من يجلبهم وينقلهم ويؤيهم ويشرف عليهم من عصابات منظمة، ونأمل من الجهتين اللتين وجه مجلس الوزراء مهامهما بتفعيل أدوارهما فلا زلنا نرى الدوريات الأمنية ورجال المرور يمرون بهؤلاء المتسولين ولا يحركون ساكناً، بل إن المتسولين أنفسهم يسرحون ويمرحون بأمان وطمأنينة لأنهم يعلمون بأنه لم ولن يتعرض لهم أحد وهذا ما ألفوه.
لقد أحسن خطيب الجمعة في أحد الأحياء بشمال الرياض حينما فرغ من صلاة الجمعة وتقدم أحد المتسولين بصوت عال طالباً المساعدة فأمره بالخروج والانصراف من المسجد فهو للعبادة وليس للتسول، وطلب من المصلين عدم التعاطف معه ومع أمثاله، مبنياً أن في عمل هذا المتسول مخالفات شرعية ونظامية، وإن إعانته على التسول بهذا المكان إعانة ومشاركة له في المحذور، ووعد الخطيب أن تكون خطبة الجمعة القادمة عن التسول، وبين ما في أعمال التسول الحالية من أخطاء وأخطار، وقدم تفسيراً وبياناً لمفهوم الآية الكريمة: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}، وما يفهمه البعض من أنها تنص على منع السائلين المتسولين، وذكر أن الصحيح أنه لا تنهر من يسأل العلم وليس المال، وأكد على أن الواجب ليس فقط عدم إجابتهم بل الإبلاغ عنهم، فكثر الله من أمثال هذا الإمام والخطيب الواعي.