أحمد بن عبدالرحمن الجبير
ترتبط المملكة بالعراق بعلاقات ووشائج اجتماعية، وتاريخية عديدة، حيث كانت بغداد العلم والمعرفة والزراعة والتجارة، وهناك أواصر اجتماعية ما زالت باقية وراسخة، وعوائل وقبائل ممتدة وتعاون اقتصادي، وسياسي كبير، بغض النظر عن المتغيرات المختلفة التي أثرت على هذا التقارب والتواصل، لكن يظل العراق، وأهله عزيزاً علينا، وكنا نتطلع لساعة تبتعد فيها المنطقة عن المشكلات، وأن يعود الصفاء لهذه العلاقة، والوشائج الجميلة التي تربط شعبينا.
نتذكر العراق وبطولة الخليج، حسين سعيد، وعمو بابا، ورعد حمودي، وأحمد راضي، ونتذكر أعلام الثقافة العراقية، ونرى بأن ما بين المملكة وبلاد الهلال الخصيب، أو ما بين النهرين علاقة تكاملية عريقة لا يمكن فصمها بسهولة، ويمكن استعادتها بسهولة أيضًا، وعليه جاءت زيارة القادة السياسيين للمملكة لتعكس صفاء مرحلة جديدة بيننا والعراق، العراق الذي خرج من فوهة الإرهاب والحروب.
هناك عدة عوامل جوهرية جعلت المملكة تعيد النظر في علاقتها مع العراق، ومن أهمها إعادة إعمار العراق، وفرض الأمن والاستقرار، والقضاء على الإرهاب، وتعاون العراق مع الأشقاء العرب لاستعادة توازنه السياسي، واستقراره الاقتصادي، فدعم العراق يعد من صالح وأمن واستقرار المنطقة بعيدًا عن أطماع الدول الأخرى، وقد بذلت المملكة جهودًا طيبة بهدف تحقيق الاستقرار في المنطقة، وعودة العراق إلى محيطه العربي.
والمملكة والعراق يعدان من أكبر الدول العربية في المنطقة، ومن الدول الرئيسة المنتجة للنفط في العالم، وتجمعهم روابط جغرافية وإقتصادية، وسياسية ودبلوماسية فحدوث التقارب السعودي العراقي، وظهور رغبة البلدين في تعزيز العلاقات بعد دعم للتضامن العربي، وكانت مشاركة المملكة في معرض بغداد الدولي بـ60 شركة سعودية وأيضًا المؤتمر الدولي للمانحين في الكويت علامة ترحيب، ودعمًا لتحسين العلاقات بين العراق وجيرانه.
إضافة لعودة خطوط الطيران السعودي إلى بغداد، والمشاركات الرياضية والتبرع ببناء إستاذ رياضي كبير، وإعادة بناء الممر الحدودي، فجميع هذه الخطوات تؤكد أننا في وضع جديد للطرفين المملكة والعراق، وترى المملكة ضرورة وجود عراق قوي مستقل الإرادة، وبعيد عن الهيمنة، ومساهم في تثبيت الاستقرار في المنطقة، وعليه نأمل إقامة شراكة سعودية عراقية قوية وإعادة بناء العراق الجديد لتوثيق الأمن والاستقرار والتعاون الاقتصادي بين العراق وجيرانه الخليجيين، وكلنا ثقة في أن تعود العلاقات أكثر من السابق، حيث استقبلت الرياض وفوداً عراقية استضافتهم في مكة المكرمة.
وتم نقاش فتح المجالات لرجال أعمال بين البلدين، ومناقشة الملفات الأمنية العالقة، ومحاربة الإرهاب، وتطوير الموانئ، والتعاون الجمركي، وإنشاء منطقة للتبادل التجاري، وتنمية الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، وإتاحة المجال للفرص التجارية والاستثمارية، وتسهيل عمليات الاستثمار، إضافة إلى تشجيع تبادل الخبرات الفنية والتقنية، ودراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع الربط الكهربائي والتعاون في المجال النفط والطاقة.
كما أن دعم أعمال المجلس التنسيقي السعودي العراقي، الذي افتتح في الرياض، ويهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين. ويعود بالنفع على المنطقة، وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال دعم جهود إعادة بناء العراق، وقطاع المجتمع المدني، مما يؤدي إلى خلق استقرار كبير في منطقة الشرق الأوسط لتعزيز التعاملات الأمنية، والتجارية والنقل الجوي والبري والبحري وتفويج الحجاج والمعتمرين إلى بيت الله الحرام.
لذا يفترض دعم مشاريع الاستثمار في النفط والغاز، والتجارة والصادرات الزراعية، وإخراج العراق مما هو فيه، حيث تشير استطلاعات الرأي بأن العراقيين سئموا من الحروب والإرهاب، والطائفية وكذلك القتل والدمار والفساد، فكسب ثقة المؤسسات الاجتماعية والثقافية العراقية سيضع الأسس الضرورية التي يمكن للمملكة من بناء شراكة قوية بين البلدين، وأن يركز فيها على الشراكات الثقافية والاستثمارية.
والتركيز على التعايش السلمي والديني والثقافي والإعلامي، وبناء علاقات تعاون راسخة بين البلدين، ومساعدة العراق على الانتقال إلى بيئة مدنية تركز على الوطن والإنسان، ولعل إعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بعد انقطاع طويل، وفتح أبواب التعاملات التجارية والاقتصادية وتذليل معظم الاختلافات، وتعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات وصولاً إلى علاقات استراتيجية ثابتة، وتحقيق المصالح المشتركة في كل المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية ووضع اللبنات الأساسية لهذه الاتفاقية التاريخية، لهو تطلع كل عربي شريف.