ميسون أبو بكر
القصيدة علاقة الإنسان بالمكان، وهي عابرة بالزمان إلى حيث تتناقلها الذاكرة الشفهية أو تلك الصحاف والجلود والحجارة التي نقشها الشعراء عليها في رحلة البحث عن الخلود والحوار الإنساني والتعبير عن خلجات النفس.
القصيدة حالة عاطفية يقول عنها الشاعر محمد أبو عرب: «القصيدة عالم نشتهي أن نعيش فيه». إذًا في رحلة الكتابة يبحث الشاعر عن ماهيته كشاعر، ويبحث عن اللغة التي هي بمنزلة مجداف يجدف به في بحر لجي من مشاعر غامضة وخيال جامح وفكرة قد تكون غائمة كمنارة يستدل بنورها التائهون في البحر.
وكما يقول الشاعر المعروف محمد الحرز «ليس الشعر باعتباره صورة سوى محاولة لفك الالتباس أو التعقيد الذي تمارسه الحياة أمام اللغة؛ وبالتالي أمام ذات الشاعر.. ولا يدرك هذا الصنع سوى الشاعر الذي اختمر الوجود في روحه، وتكشفت قبالة عينيه الخريطة السرية للغة».
الشعر كما اللغة هويتنا وديواننا كعرب؛ إذ لم تنقصه الأجناس الأدبية الأخرى التي غزت الساحة الإبداعية، واهتم بها النقد والجوائز والمنتديات الثقافية، دوره وأهميته وحضوره الذي اتخذ مدارس مختلفة تناسبًا مع إيقاع العصر.
فالقصيدة التي علقت على جدران الكعبة هي اليوم ذاكرة وتاريخ وموروث وكنوز ثمينة، وبين الفينة والأخرى هي قصيدة طائرة عبر الإعلام الجديد بقنواته المختلفة؛ إذ يبحث الشاعر له عن موطئ قدم في هذا الفضاء الذي أغرى الشباب، وضيع ملامح اللغة ببعض الرموز، وبأحرف لم تألفها لغة القصيدة.
في مركز المؤرخ والمستشار جمال بن حويرب في دبي تحدث الحاضرون عن شعبية الشاعر التي لا تنافس شعبية الرياضي - على سبيل المثال - وطالب أحد الحاضرين بأن تنشر القصائد في الصفحة الأولى من الصحف، وانتقد آخرون إلغاء الصفحة الثقافية دون غيرها في الوطن العربي لأجل إعلان مدفوع الثمن، وطالب الحاضرون بحضور البرامج الشعرية والثقافية في القنوات العامة؛ لتقدم جرعة لا بأس بها لكل المستويات والجمهور؛ لتقدم إليه كذائقة مجتمعية.. وكل تلك الاقتراحات هي محاولات لإنعاش الثقافة والشعر.
في مقال الشاعر محمد الرطيان «أقل اشتياقًا» يقول: «لم ولن يكون هناك اتجاه محدد للشعر غير ما يحدده القلب، فحين يتوقف تصمت القصيدة التي عذبتك وأبهجتنا، لكن الشعر أشبه بالنهر، يعرف طريقه، ويجترح كل يوم شكلاً باهرًا»؛ فالشعر إذًا يثمر كما يؤكد علوان، والشعر ذاكرة.. وبوصلة الشعر لا تخطئ القلب ولا مضارب القصيدة.. وجهات الشعر ستبقى موئل الروح وغذاءها، والشاعر سيبقى أميرًا يلتحف بردة الشعر، وتعرفه الصحراء ويأتم التائهون بناره.
لإبراهيم الوافي
لا مفر لنا الآن
من أن نكون معًا
كي تكاثر فينا القصائد
زوجين نورا ونار
مسك الضر مني كثيرًا
وما كنت أحسب أن القصيدة
حين تهدهد أفراخها تستثير النهار!..
فقير أنا عند باب الظلال
أغني لأمسي
متى نهرتني العيون انكفأت انكسار!
مسني الضر.. منذ اتخذت
القصيدة أنثى..
..
ماء المساءات طوفان أحزاننا
والسفينة مخروقة الصدر
لكننا نستفيء معًا.. أو نموت معًا
فالقصائد.. إن نحن عشنا.. تكاثر..
أو نحن متنا.. ستبقى المدينة
تذكرنا كلما جاء شاعر من دوار!!