علي الصراف
القادة التاريخيون نوعان: الأول تخاف منه، والثاني تخاف عليه.
أما الأول، فإنه يقود حركة الإصلاح بالقهر والقوة، لأنه يرى أبوابًا اجتماعية وسياسية واقتصادية مغلقة فيسعى إلى فتحها ولو بالكسر. ولئن أدى ذلك إلى سحق بعض البشر، فإنه لا يبالي، لأن الهدف الذي يبغي الوصول إليه يبدو أمام ناظريه أسمى من أي خسائر. فيحقق شيئًا وتلاحقه عواقب.
وأما الثاني، فإنه يقود حركة الإصلاح بالحكمة واقتفاء الصحيح، لأنه يرى أن مجتمعه يمكن أن يفهم، وأن حاجته للتطور تملي عليه أن يقبل الخروج مما تكلس في المسالك، وأن الدروب المغلقة يتعين أن تُفتح أمام المستقبل. وأن البشر جزء أصيل من طاقة التجديد، لأن المعركة التي تخاض بهم، تخاض من أجلهم في الأساس.
ماذا فعل الأمير محمد بن سلمان ليكون من النوع الثاني؟
لقد نشأ بين يدي رجل حزم. فوضعه على طريق مستقيم. ثم كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أول من استبشر به، فقدمه، وأشركه في المسؤوليات، وتنبأ له. وعندما جاء الوقت ليكشف عن معدنه الأصيل، تحت ظل الملك سلمان، فإنه جمع الحزم والعزم، واختط طريقًا مدروسًا، وكشف عنه، ليحدد أفقه، وليُشرك به الجميع.
لقد أظهر لمجتمعه أن للاعتدال قوةً أبلغ أثرًا، وأكثر بقاء، من قوة التطرف أو التشدد. وأن الوسطية عقل وخير. وأن الوقوف على أرض الحق أصلب، في العلاقات والمسالك، من الوقوف على أرض الخطأ. وأن الخطيئة لا تتعلق إلا من وزرها ولا تزر غير فاعلها. وأن الفساد لا يبني ثراء، ولا يعمر أوطانًا، وهو لا ينفع حتى الفاسدين أنفسهم. وأن المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، ولكنها قوة اجتماعية واقتصادية عظمى. وأن المجتمعات لا تنهض بنصفها بينما تحوّل النصف الآخر إلى عبء. وأن الاعتماد الاقتصادي على سلعة واحدة خيار لا يستقيم مع حقائق المستقبل. وأن العالم مفتوح لتبادل الاستثمارات والمنافع والمصالح، بما يمكن أن يجعل المملكة ميدانًا لشراكة فاعلة، ويفتح لها أفقًا هو ذاته الأفق الذي تتطلع إليه الدول المتقدمة. وأن معركة البناء يتعين أن تتوفر على الجرأة، كما أن على الجرأة أن تتوفر على قراءة عاقلة للممكنات والوقائع. وأن قوة المملكة الحقيقية تكمن في شعبها. وأن قضاءها عادل وفاعل. وأن قوتها العسكرية كافية لتكون رادعًا ضد سياسات الجريمة والعدوان. وأنها قوة قادرة على أن تمتلك ما يكفيها من المنعة الذاتية الصنع. وأن مؤسساتها الاقتصادية التي تقف على أرض صلبة، تستطيع أن تتوسع في أفق مفتوح داخليًا وخارجيًا. وأن علاقات التعاون الدولي تتسع للجميع. وأن الموقف السياسي السليم هو ما يستند إلى الإرادة المشتركة بين كل الدول التي تحرص على بناء الاستقرار والأخذ بزمام الاستقرار. وأن بناء القوة يبدأ من الداخل. وأن الاقتصاد المتين هو الرافعة الحقيقية لكل قوة أخرى. وأن المجتمع، وليس موارد الدولة وحدها، هو من يبني تلك الرافعة، ثم يُعليها.
حتى بدا رجلاً يجمع بين العناصر الذهبية للقيادة. يقتفي أثر الحكمة ويفعل الصحيح. يحزم ويعزم. يأخذ بالحق، ولا يخشى فيه لومة لائم.
وحتى بدا الأمر كله سهلاً. فأن تكون قائدًا من قادة صنع المستقبل، أبسط بكثير من الطريق الآخر: احمل بيمينك مشروعًا. ادرس عناصره ومقوماته بحرص. اكشف عنه. اجعل منه أفقًا يشد الأنظار وطاقات العمل. جنّد له كل ما تستطيع من إمكانات. قف على ناصية الحق، واقتف أثر الاعتدال والحكمة في كل شيء.
سهل ممتنع؟ ربما. سهل، ولكنك تحتاج حزمًا لتقطع ما يمتنع فيه.
من يكتشف المعادلة بين الصحيح وحزمه، لا يمكنك أن تخاف منه. ستقول له: امض في طريق الخير والصلاح، ووراءك أهل وشعب.
وأعرف أنه ذهب في جولته الخارجية الأولى ليستجلب منافع ومصالح ويبني شراكات مستقبلية. ولكن بعض قلوب الناس سترى أنه من حقها أن تخاف عليه.