عماد المديفر
يُعد خطاب الزعماء السياسيين للرأي العام في الدول الحليفة والصديقة أحد أرقى ممارسات العمل الدبلوماسي الشعبي، وأصعبها، وأكثرها خطورة وحساسية، بيد أن ما يلحظه الباحثون في مجال الدبلوماسية الشعبية (العامة) public diplomacy، والمتابعون لوسائل الإعلام العالمية؛ هو ذلك النجاح غير المسبوق من أي قائد أو زعيم أو رئيس دولة في العالم، والذي يسجله سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في ممارساته المميزة للعمل الدبلوماسي الشعبي، ولتصبح هذه الممارسة أنموذجاً يُدرس، ويوثق، ويحتذى به، من قبل الزعماء والقادة، في مخاطبتهم للرأي العام لدى الدول الشقيقة والصديقة.. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، لقاؤه الشفاف والصريح والمنفتح عبر البرنامج الأمريكي الأكثر شعبية (ستون دقيقة) عبر شبكة CB S، قبيل زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، فكانت المملكة، وسموه شخصياً؛ القصة الرئيسة في العديد من وسائل الإعلام الدولية على مختلف مشاربها.. ولذلك تفصيل لعلي آتي عليه لاحقاً.. بعد دراسة تحليلة لكيفية تلقي ذلك الخطاب الرائع من قبل أبرز وسائل الإعلام في العالم.
غير أن ما ينبغي الإشارة إليه، هو أن هذه الزيارة الرسمية السعودية الرفيعة المستوى للولايات المتحدة الأمريكية التي نشهدها حالياً؛ تأتي في لحظات مفصلية من تاريخ المنطقة والعالم، لتعيد ترتيب الأوراق لما ينبغي أن تكون عليه، وتعيد موازين القوى فيها إلى نصابها الصحيح، وتقوِّم سياسات الدول العظمى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، تجاه المنطقة، وتجاه العالمين العربي والإسلامي، ولنطوي معاً صفحة مشروع (الفوضى الخلاقة) الأوبامي الفاشل، والسيئ الصيت، وما أنتجه من مخرجات تعيسه، كما هو الاتفاق النووي بين القوى الستة ونظام الملالي في طهران، والذي أنعش قوى الشر والتطرف والإرهاب، وأطلق يدها في المنطقة. ولتتحد الجهود اليوم -أو هكذا ينبغي- للقضاء عليها، بعد أن اكتوت بنارها ليس فقط الدول العربية والإسلامية وحدها، بل العالم أجمع، وأساءت لسمعة العرب والمسلمين قاطبة، وأساءت للإسلام ذاته، كديانة سماوية عظيمة. وللنشر معاً المحبة بدل الكراهية، والاعتدال بدل التطرف، ولنحارب يداً بيد، وكتفاً بكتف، مع حلفائنا حول العالم.. قوى الشر، لإحقاق السلام.
وإذا ما تناولنا دلالات الزيارة من ناحية معيارية موضوعية بحته، فإنه مما لا يخفى على القارئ العارف بعلم السياسة والعلاقات الدولية؛ فإن العلاقات الثنائية بين الدول تُقاسُ عبر عدة مؤشرات، يأتي في مقدمها الزيارات الرسمية المتبادلة للقادة والمسؤوليين. وَمِمَّا يلحظه المتابع، فخلال سنة واحدة فقط، تبادلت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، بما يمثلانه من ثقل حول العالم، الزيارات الرسمية للمسؤولين والمبعوثين والوفود الرفيعة مع بعضهما البعض بمعدل فاق ما تبادلاها مع غيرهما من الدول الأخرى الصديقة والحليفة، عدا عن أن سمو سيدي ولي العهد كان أول مسؤول عربي ومسلم يلتقي فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض بعيد تنصيبه رئيساً لأعظم بلد في العالم، كان ذلك في مارس الماضي، حيث كسر الرئيس ترمب البروتوكولات الرئاسية الأمريكية العريقة، حفاوة وترحيباً بالضيف الكبير والحليف التقليدي الأهم للولايات المتحدة.. وليس ذلك فحسب، فقد جعل الرئيس الأمريكي المملكة العربية السعودية وجهته الأولى، كاسراً بذلك أيضاً ما اعتاده سابقوه من الزعماء الأمريكان، والذين غالباً ما يدشنون زياراتهم الرسمية الخارجية بدول قريبة جغرافياً من الولايات المتحدة.
وإذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المقصد الأكبر والأساس لزعماء العالم قاطبة، والذين يضطر بعضهم للانتظار طويلاً ولمدد قد تصل إلى سنوات، للموافقة على الزيارة، وبعضهم قد يتم الاعتذار له بسبب جدول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المزدحم، بيد أن سيدي ولي العهد اليوم؛ يزور الولايات المتحدة الأمريكية في عهد فخامة الرئيس دونالد ترمب للمرة الثانية على التوالي خلال مدة وجيزة، وليلحظ العالم بأسره تلك الحفاوة الكبيرة التي استقبله بها الحليف الأكبر والأقدم، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعاملت مع الزيارة الرسمية لسموه بروتوكولياً كما لو كانت زيارة دولة state visit، ولم نلحظ أنها ليست كذلك -كون سموه ولياً للعهد وليس ملكاً- إلا من خلال تحية المدفعية الأمريكية التي أطلقت تسع عشرة طلقة ترحيبية للضيف الكبير، فيما يحظى الملوك ورؤساء الدول بإحدى وعشرين طلقة.. وما سوى ذلك، فقد كان البروتوكول ملكياً بامتياز.
أقول هذه المقدمة؛ لأؤكد مجدداً على ما ذكره سيدي ولي العهد وفخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأن المملكة العربية السعودية هي الحليف الأكبر والأقدم والأهم للولايات المتحدة الأمريكية ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي الشرق عامة.. أدناه وأقصاه، بما في ذلك العالمين العربي والإسلامي. وأن ما سعت إليه قوى الشر والإرهاب في العالم، وفي مقدمهم نظام الملالي في طهران والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وشركائهم، من محاولات بائسة لاستهداف هذا التحالف العظيم الذي يحافظ على الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والعالم؛ باءت بالفشل الذريع.. وذهبت خططهم الخبيثة أدراج الرياح، بل وانقلبت عليهم.. ليصبح تدبيرهم تدميراً لهم، ووبالاً عليهم.
ثلاثة نتائج رئيسة إذن، توصل إليها المراقبون على اختلاف توجهاتهم، الأولى أن المملكة العربية السعودية كانت ومازالت هي القوة الرئيسة في المنطقة، والدولة الفاعلة في العالمين العربي والإسلامي بالشراكة مع حلفائها العرب والمسلمين رغم محاولات الاستهداف المستمرة، وأن المملكة العربية السعودية تعيش فترة تحول مهمة، نحو الانفتاح للعالم، والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي من خلال تفعيل رؤيتها الطموحة والنوعية2030.، وأن المملكة تقود تصحيح الخطاب الديني الإسلامي للعودة به نحو جذوره العربية الأصيلة، نحو العودة لما كانت عليه جزيرة العرب.. قائدة المسلمين، ومشعل الاعتدال والحضارة والانفتاح على جميع الثقافات،والتعايش مع جميع الأديان والمذاهب، مصداقاً لقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
إلى اللقاء،،،