د. حمزة السالم
ما هو السوق؟ هو شارٍ وبائع وسلعة. فماذا عن السعر؟ الجواب أن السعر يتولد من السوق، فهو ليس من السوق. أي انه متى وُجِد السوق، وُجد السعر. فالسوق هو الذي يحدد السعر ولا العكس. فكيف يكون هذا، رغم اننا ندرس ونفكر وننظر بالطلب والعرض، وهما تابعان للسعر يعتمدان عليه.
فهنا يتساءل الفطن الحذق، لماذا نجعل السعر تابعا للسوق- أي العرض والطلب- رغم أن السعر هو من يحدد العرض والطلب. فالجواب، هو أن السعر تابع لهوى الناس ورغباتهم، فهذا هو الطلب، والكلفة تحدد السعر، وهذا هو العرض، فأينما التقى الهوى بالكلفة، تولد سعر السوق. (وهذا جواب لا يوجد في الكتب، فلا يُزهد به).
وتمثيلاً على ما سبق، فالبنك المركزي يرفع الفائدة ويخفضها، وهي سعر النقد، والنقد سلعة سوق النقد. فكيف يكون ذلك، وقد قلنا إن السعر حر لا يتحكم به أحد. فالجواب، أن البنك المركزي يسحب النقد من السوق، فيرفع الفائدة، وبالعكس.
فالإنسان إذاً يستطيع التحكم بالسعر عن طريق كمية السلعة، لا عن طريق تحديد السعر. لذا يفشل كل تدخل حكومي أو غيره لتحديد الأسعار، كسقف أسعار أو أرضية. لذا يجب عند دراسة السياسات الاقتصادية استحضار أن السعر حر، لا يتدخل فيه أحد مباشرة، الا ويسبب ضرراً في السوق، يكبر الضرر ويصغر على مقدار حجم التدخل.
فالسوق من خلق الله، خالق كل شيء. واقتصاديات السوق هي النواميس والسنن التي سخرها الله سبحانه لتحكم السوق. فاقتصاد السوق لا يختلف عن جسم الإنسان. قد يمكننا علاجه، وقد نستطيع دفع الانسان للعمل فوق طاقته بالمنشطات ونحوها، ولكن إلى فترة محددة لا تخلو من تبعيات. وقد نستطيع تجميل الوجه بحدود ضيقة، مع احتمالية وقوع مضاعفات قد تكون خطيرة. وقد نجري عملية جراحية معقدة لاستئصال مرض خطير أو إصلاح عضو ما، فتنجح العملية أو تفشل. ولكننا لا نستطيع مطلقاً تغيير ديناميكية عمل جسم الانسان فنعطل القلب أو نبدل الدم بالماء أو نغير اتجاه الدم. كما لا نستطيع مطلقاً التدخل في عمل الأعصاب والمخ إلا بحدود ضيقة وبمخاطر عالية. وهكذا هو السوق واقتصاداته.
وأفضل الطب ما يتعامل مع ما خلق الله للجسم ليعيد للجسم أصل خلقه إذا تغير عنه بسبب خارجي أو داخلي، دون أي تصادم مع الأنظمة التي خلقها الله لتنظم جسم الإنسان. وكذلك هو الاقتصاد. فلا يخرج مجتمع اقتصادي عن سنة الله في خلقه إلا ويمرض اقتصاده إلى أن يتعطل ثم ينتهي إلى الفشل عاجلا أو أجلا، بحسب ابتعاده ومخالفته لسنن خِلقة الله للسوق.
وعن أنس رضي الله عنه قال: غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله هو المسعر القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال»، رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن حبان. والحديث صحيح على شرط مسلم.