د. محمد بن إبراهيم الملحم
توضح كثير من الدراسات التجريبية الفاحصة أن أداء المعلمين يتناسب طردياً مع توقعاتهم عن الطلاب فمع الطلاب منخفضي المستوى يكون أداؤهم منخفضاً ومع الطلاب ذوي المستويات العالية يكون أداؤهم عالياً، ولذلك انقسم التربويون إلى فريقين أحدهما يؤيّد الفصول المتجانسة (أي التي يكون فيها كل طلاب الفصل في مستوى أداء واحد: عال أو منخفض)، حيث يرون أن هذا يساعد المعلم على أن يؤقلم تدريسه بما يتناسب مع طلاب كل فصل بما يناسبهم (تفريد التدريس Individualized Instruction)، ويرون أن هذا سيساعد المتفوّقين على الإبداع ويساعد ضعاف الأداء على إدراك التعلّم لأن المعلم سيعرف كيف يتأنى ويساعدهم بحسب قدراتهم، ولكن الفريق الآخر يرى أن الفصل المختلط هو الأفضل ويعتبرونه بيئة تعلّم فعّالة لأن أداء المعلم في فصول الطلاب الضعاف سينخفض (كما أشرت في المقدمة) وبالتالي يكون في هذا إجحاف بحقهم، لكن لو كانوا مختلطين مع الطلاب الأقوياء فإن تحسن أداء المعلم قد يرتقي بهم أفضل. ولأن هذا الموضوع يختلط بموضوع شديد الحساسية في الغرب وفي أمريكا بخاصة وهو التمييز العنصري، حيث لوحظ أن الفصول المتجانسة تكون فيها فئة طلاب فصول الأقوياء هم البيض (أوروبيو الأصل) وذوي الأصول الآسيوية وأما فئة طلاب فصول الضعاف فهم ذوو الأصول الإفريقية أو اللاتينية، وهذه التفرقة مرفوضة أخلاقياً، فقد كان للفريق الأخير (المؤيّد للفصول المختلطة) الانتشار الأكبر. وسبب آخر هو أن أداء المعلمين في الفصول المتجانسة يكون عادة لصالح فصول الأذكياء فقط، حيث يرتقي أداؤهم بسبب ارتقاء توقعاتهم عن الطلاب، أما معلمي فصول الضعاف فينخفض أداؤهم بسبب انخفاض التوقعات، كما تظهر آثار سلبية على مشاعر طلاب فصول الضعاف وهو بعد إنساني مهم.
هذه السلبيات توجد عندما يتم إيجاد الفصول المتجانسة في مدرسة واحدة، ولكن عندما يطبق نفس المبدأ على مستوى مدرسة كاملة لنوع واحد، وهو ما يعمل في مدارس (ستيم STEM) أو مدارس العلوم والرياضيات والتي تقوم على القبول المشروط فإن أغلب هذه السلبيات تختفي تماماً، وتبقى إيجابية ارتفاع أداء المعلمين نظراً لارتفاع توقعاتهم عن الطلاب، كما أن التدريس يغدو عملاً محبباً للمعلمين لأن من يدرس في مثل هذه المدارس المتخصصة هم عادة المعلمون المتميزون علمياً وهؤلاء يحبطهم العمل مع الطلاب الأقل أداء. ذكر آدم جاموران في بحث نشره عام 1996 أنه قام بفحص مدى جودة المدارس المتخصصة في أمريكا والتي تسمى (المدارس الجاذبة) متسائلاً هل هناك فروق ذات قيمة بينها والمدارس الاعتيادية؟ وجعل موضوع دراسته حول أربع مواد هي القراءة والرياضيات والعلوم وعلم الاجتماع وكانت نتائج دراسته أن المدارس الجاذبة (المتخصصة) أفضل من العادية في جعل الطلاب أكثر كفاءة في ثلاث مواد هي العلوم والقراءة وعلم الاجتماع.
أتوقّع لهذه المدارس أن تنمو في المستقبل، بل ربما تحل مكان المدرسة الثانوية، وتصبح دراسة العلوم الأخرى غير العلوم والرياضيات وتقنيات المعلومات هي الأقل لأنها ستكون متاحة عبر منصات المعرفة الكثيرة المنتشرة إلكترونياً بينما تظل العلوم التي تحتاج إلى الدرس والتجريب هي موضوع التعليم في المدرسة، وعندما يُقال نحن في زمن التخصص فإن هذه المقولة قد تكون أصبحت قديمة اليوم لنقول إننا في زمن تخصص التخصص، انظر مثلاً إلى تخصصات الجامعة اليوم وكيف تفكك كثير منها إلى جزئيات، وخاصة في مجالات الهندسة والطب والتكنولوجيا، ولذلك علاقة مهمة بالاختراع وعلاقته بالتنمية... سأتحدث عن ذلك لاحقاً.