فهد بن جليد
هل جرَّبت يوماً أن تُمسك بورقة وقلم وتكتب ما يدور في ذهنك الآن، و تود البوح به للآخرين بشكل عفوي وتلقائي - دون ترتيب مُسبق - فماذا تتوقع أن تكتب وتقول ؟!.
أحد المقاهي الصغيرة في الطريق المؤدي إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض فعلها، وخصص جدارية كاملة لتعليق الأوراق اللاصقة التي تحوي ما يشعر به الزبائن العابرون نحو المطار، عند توقفهم للحصول على كوب شاي أو كرك قبل وقت مُبكر من اللحاق برحلاتهم أو استقبال القادمين، وقد كانت هذه الجدارية المليئة (بمئات الأوراق) اللاصقة، كافية لتعكس لك مزاجية العابرين من هنا لأشهر مضت، وأهم ما يشعرون ويفكرون به في تلك اللحظات عندما سجلوا مشاعرهم، البعض اعتبرها ذكرى طيبة وكتب عن تاريخ مروره وأين سيسافر ومع من، هناك من عبَّرَ عن حبه لصديق أو قريب مُعين، كتب اسمه هنا - علَّه يأتي يوماً ويقرأ تلك المشاعر - الأندية الرياضية وأحلام البطولات العالمية والمحلية والسجال الكبير بينها حاضر في بعض المُلصقات إضافة إلى مزايين الإبل ومُنافساتها، كما لفت انتباهي مشاعر وطنية صادقة وعفوية من بعض المُسافرين الخليجيين والعرب الذين عبروا عن حبهم للمملكة ولشعبها، ودعواتهم لجنودنا البواسل على الحدود بالنصر والتوفيق في مهمتهم العظيمة، الأهم في رأيي هو تعامل كل من كتب وعبَّرَ مع الموقف بذات الطريقة القديمة للكتابة على الجدران عندما لا يعلم أهل الحي من ؟ كتب ماذا ؟ ولمن ؟ أحدهم شكر المقهى على الخدمة وعلَّق ورقة مالية تعادل100 ريال سعودي.
رغم وجود الإنترنت وتعدد منصات وسائل التواصل الاجتماعي المُختلفة في يومنا هذا للتعبير، ما لذي يدفع بعابر أن يُمسِك بقلم وورقة ليدوِّن مشاعره أو يوجه رسالة لمجهول بالنسبة لكل العابرين الآخرين ؟ هل لدينا خلل في منظومة التواصل والاتصال الاجتماعية رغم حداثتها وتطوِّرها ؟ أم أنَّ هناك مللا من الاتصال ورغبة في خصوصية التعبير، سأعتذر أولاً لعالم الاجتماع المصري الراحل الدكتور (سيد عويس) بسبب تطابق العنوان أعلاه مع اسم كتابه حول (ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات في المجتمع المصري المُعاصر) خوفاً من الحسد والعين والمجهول، وأهمية دراسة مثل هذا السلوك البشري ثقافياً واجتماعياً، وسأترك الكلمة للمُتخصصين في علم الاجتماع لبحث مثل هذه التعابير التي تتجاوز مجرَّد جُمل عابرة، إلى فلسفة وقراءة الحياة من منظور صاحب الكتابة وخبراته وقناعاته، لا سيما وأنَّ الإنسان عبَّرَ عن نفسه مُنذ أكثر من 3500 سنة بكتابات ونقوش مازالت تحتفظ بها بطون الكهوف وصخور الجبال حتى يومنا هذا.
وعلى دروب الخير نلتقي.