ياسر صالح البهيجان
بطاقة الهويّة الوطنيّة حقّ أصيل لجميع المواطنين من الجنسين متى ما بلغوا السن القانونية المنصوص عليها نظامًا، ولا أعلم إلى متى يمارس بعض الآباء سلوك التسلط والجور بحرمان الأبناء أو البنات من استخراجها، خشية أن تمنحهم البطاقة نوعًا من الحريّة المهددة للسيطرة عليهم، في مشهد يجسّد حالة فكريّة كانت سائدة في القرون الوسطى.
أعلم أن هذا النوع من الآباء لا يشكلون النسبة الأكبر في ظل ارتفاع مستوى وعي المجتمع، إلا أن وجودهم يشكّل خطرًا على البنية الاجتماعيّة، ويمثّلون حجر عثرة أمام مضّي مجتمعنا نحو تحكيم القوانين والأنظمة في سائر شؤون حياته، فضلاً عن دور أولئك الآباء في إنتاج جيل مأزوم من الناحية النفسيّة، وتسيطر عليه حالة احتقان ضد المجتمع، لأنه ظل عاجزًا عن توفير الحماية له، ولم يمد إليه طوق النجاة في خضم حرمانه من حقوقه المدنية.
نحن في مجتمع يقدّس الأسرة ويؤكّد على ضرورة تماسكها، ولكن من الضروري ألاّ تفرض الأسر قيمًا تتعارض مع النظم والقوانين المعترف بها ضمن نطاق الدولة، فإن كان من حق الفرد أن يُمنح هويّة وطنيّة عند بلوغه سنًا معينًا فإن على الأسرة الامتثال لذلك بوصفه واجبًا وطنيًا، ومن يحاول التجديف عكس التيار الوطني والمصلحة العامة والحقوق المدنية المكفولة للأفراد لا بد أن يواجه العقوبات الصارمة لكيلا تستحيل القوانين إلى تمتمات غير مترجمة فعليًا على أرض الواقع.
لسنا هنا في معرض تأليب الأبناء على آبائهم، ولكن للتأكيد على أن للآباء سلطة مقيّدة بضوابط، وترك الحبل على الغارب يعطّل الأنظمة ويخلق حالة من الفوضى داخل المجتمع، وقد استمعت لشكاوى متعددة من فتيان وفتيات حُرموا حق امتلاك بطاقة الهوية الوطنيّة، وبعضهم تعطّلت مصالحهم، وحرموا من الوظيفة والزواج بحجّة أن ليس لديهم هويّة مستقلة.
لعل وكالة الأحوال المدنيّة تدرس عن كثب تلك الحالات، وقد ترى إمكانيّة إصدار بطاقات فوريّة لكل من يبلغ السن القانونية دون الحاجة لمراجعتها، مع ضمان تسليمها للفرد المعني بها دون وسيط، والتأكيد على أن مصادرتها أو حجزها سلوك غير نظامي يستوجب العقوبة حتى وإن كان الفاعل أبًا أو أمًا، إلا إن كان صاحب البطاقة فاقدًا للأهليّة بموجب إشعار طبي.