«الجزيرة» – أحمد المغلوث:
اعتاد أحد أصحابي رغم انه يعد ما شاء الله من الاثرياء التواجد دائماً في مزرعته في الاحساء، وعصر الجمعة وجدت في هاتفي اتصالاً منه لكنني لم أرد عليه في حينه كونه على الصامت. وعندما اتصلت به معتذراً للحالة التي كان عليها الهاتف طلب مني ان لم أكن مشغولا الحضور لمزرعته.. وهذا ما حصل بالفعل فلم أتردد وتوجهت إليه. وصاحبي هذا ومنذ عرفته قبل عقود فهو عاشق للبساطة ومنحاز إلى عالمها الواسع والبسيط ورغم انه يسكن بيتا كبيرا، إلا انه لا يجد راحته إلا في المزرعة، ومع انها تحتوي على قاعة استقبال كبيرة وواسعة تتناسب مع وضعه الاجتماعي وكرجل أعمال، إلا أنه قليل ما تجده يجلس في هذه القاعة. فلديه جلسة بسيطة ذات طابع تقليدي في التصميم والبناء، حيث يفضلها على القاعة الكبيرة (المجلس). جلسنا فيها ورحنا نتحدث عن الموضوع الذي من أجله اتصل بي، ولم اتردد ان أسأله بعد ذلك ونحن نحتسي الشاي بالنعناع الذي يفضله. لماذا يابو فهد تفضل حياة البساطة عن الاستمتاع بما انعم الله عليك من خير وفير ما شاء الله؟. فقال وهو يداعب حبات سبحته: مع الايام اكتشفت ان البساطة سر الحياة وحتى السعادة، والحمد لله لقد وفرت للأسرة ما يحبون ويتمنون ولم أبخل عليهم بشيء. وكما شاهدت حتى هنا أقمت استراحة كبيرة لهم. لكنني أفضل ان اجلس في هذا المكان البسيط والذي يذكرني بما كان موجودا في بستان جدي ووالدي رحمهما الله. والبساطة هي جزء من القناعة، فأنت مهما كان امامك من مأكولات متعددة لا يمكن أن تأكل إلا شيئا محدوداً، فلو زاد ما تأكله عن ذلك ربما تسبب في ضرر لك. وراح يقول: أنت تعلم وكما تعلمنا في المدارس أنَّ فَنَّ الحياة السعيدة نتعلمه مِن هدي نبينا مُحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جميع جوانبها. ومِن ذلك قواعِد البساطة المنافية للتكلُّف والبعيدة عن اللاَّمبالاة، وكلما تعمقنا في الحياة وكبرنا علينا دائماً أن نستضيء بنوره ونَهتدي بهدي رسولنا الكريم.
فقاطعته: صدقت يا ابافهد، وتذكرني بأهمية عدم التكلف و»الفشخرة» الفاضية فأنت ولله الحمد في خير ونعمة ولم تبخل على أسرتك بشيء لكنك في ذات الوقت تنحاز للبساطة والعفوية. وعن ذلك قال ألبرت أينشتاين: ينبغي أن نبسّط كل شيء بقدر الإمكان، ولكن دون أن نفرط في تبسيطه. ورحنا نتذكر مقولات عديدة من حكماء وفلاسفة عرب واجانب. تشير للبساطة وأهميتها في الحياة بل راح يقول: ها هي امبراطورية اليابان هذه الدولة الكبرى تنحاز للبساطة، حتى امبراطورها يستقبل كبار قادة العالم في قاعة بسيطة تكاد تخلو من الاثاث والاكسسوارات، حتى ان مئات الالاف من ابناء اليابان راحوا يسيرون على نفس هذه الخطى.. فتجد بعض مساكنهم قليلة الاثاث. فقاطعني قائلاً: صحيح ما قلته وثقافة المجتمع لها دور كبير في نشر حياة البساطة وعدم التكلف، ومن هنا دوركم يا رجال الصحافة والاعلام، عليكم مسئولية نشر الوعي الذي يقود أساس بناء المجتمع بعيداً عن ضياع حياة البعض من الشباب في سداد مديونياته التي خسرها من اجل ان يكون في حالة مظهرية ممجوجة، وبعدها يتحمل هو وأسرته الصغيرة متاعب سداد هذه المديونيات. لماذا يركض البعض من الشباب لشراء سيارة بنصف مليون ريال وبعد شهور تفقد نصف قيمتها؟. أليس كان من الافضل له ولمستقبله ان يشتري سيارة بحدود المائة ألف ريال خصوصا وهو في بداية حياته؟. لماذا يحمل نفسه ما لاطاقة له به؟. لو استثمر هذا الشاب النصف مليون في إنشاء مشروع تجاري فسوف يحقق أرباحاً غير محدودة بعد القليل من السنوات. وأضاف: أنتم كرجال اعلام عليكم دور كبير في نشر الوعي وتعميم ثقافة البساطة وعدم التكلف بين شرائح المجتمع.