سمر المقرن
لم أتابع من قبل الطفل أبو جفين، إلا أنه قد مرّت عليّ بعض المقاطع الكوميدية عبر الواتساب له دون أن أعرف اسمه، لكن لفت نظري الهجوم الشرس على طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره لأنه قام بتأليف كتاب، وكأن هذا الكتاب من وجهة نظر مهاجموه سيمحو الثقافة السعودية وسوف يلوث مكتباتها، وسيفسد حالة التأليف المبهرة التي تخرج لنا كل عام بمئات الكتب «العميقة» وأن كتاب أبو جفين هو السطحي والركيك فقط! مع هذا كلّه أنا شخصياً لست ضد ظهور كتب ركيكة أو سطحية على الساحة الثقافية، لأن السوق عرض وطلب، ولكل نوع من الكتب مشتر وقارئ، ورغم ذلك، لم يهاجمهم أحد، ولم يطالب بإقصائهم أحد، ما عدا الطفل المشهور بـ «أبو جفين»، سلّ بعض من يدعي الانتماء للثقافة سيوفهم ضدّه، وكأن المطلوب ليثبت هؤلاء أنهم مثقفون أن يهاجموا أبو جفين ويطالبوا بإقصائه وحرق كتابه وإلغائه من العالم!
ما هذه القسوة؟ ما هذا الأسلوب المبتذل في الاختلاف؟ وبأي حق تمنعه إدارة المعرض من الصعود على المنصة لتوقيع كتابه؟ بل إن الأدهى والأمر هو منعه من دخول معرض الكتاب بالرياض! لماذا كل هذا العنف يُمارس بحق طفل اجتهد وقد يكون مصيباً أو مخطئاً؟ ولماذا لا نفرح بوجود نموذج مثل «أبو جفين» يمتلك كل هذا الحضور وهذا الذكاء وهذا المنطق والأسلوب الرائع في الحديث ليكون نموذجاً نفتخر به ويتم استقطابه وتوجيهه ليخرج لنا بكتب أخرى أكثر عمقاً وتأثيراً إيجابياً، إن كان كتابه -الذي لم أقرأه- يهاجمه بعضهم لأنه سطحي من وجهة نظرهم!
بل إن معظم مهاجميه لا يمتلكون الأدوات النقدية، وهم أقل منه فليس لهم كتب ولا مؤلفات ولا تأثير، مجرّد أصوات عالية ومزعجة تبحث عن مساحة بالصراخ فقط!
«أبو جفين» لن يكون الأول ولا الأخير الذي يواجه بهذا العنف الخارج من تحت عباءة الثقافة، وصراع الأجيال باق، فهناك من الجيل القديم فئة تحاول قدر المستطاع منع وإقصاء ومحاربة كل وافد جديد يحمل بيديه راية النجاح، وما زلت أتذكر بعد صدور روايتي «نساء المنكر» حالة العنف الثقافي التي حاول - بعضهم- إيقاف إبداعي بها، مع ذلك نجحت وتميزت بجهدي الشخصي رغم كل الحروب، لذا أقول لأبو جفين لا تحزن يا بنيّ، بل عليك أن تستمتع بهذا النجاح، ولعلي أعيد هنا تلك الجملة التي رددتها قبل سنوات: (شكراً لكم يا أعدائي لقد صنعتم مني بطلة).. قلها وكن فخوراً بنفسك، واستثمر هذه الأحداث بذكاء لصالحك.