عبدالوهاب الفايز
التحول في عمل المؤسسة العامة للتقاعد يمكن النظر إليه من عدة مسارات، لكن المسار الأهم الذي سارت به المؤسسة وعبره تقدم مؤشرًا مهمًا لنقلة نوعية في التفكير والإدارة تبني على نجاحات السنوات الماضية، هذا المسار هو اتجاه المؤسسة الجاد لتسهيل حصول المتقاعدين على كل ما يحتاجوه من خدمات. المتقاعدون فئة عزيزة خدمت بلادها سنوات طويلة، ومن واجب كل مسؤول في القطاع العام أو الخاص العمل الجاد لأن تحصل هذه الفئة على حقوقها وخدماتها بأسرع وقت وأيسر إليه.
وهذا الذي عملت عليه قيادات المؤسسة ضمن مشروع إعداد المؤسسة إلى حقبة التحول الذي يعيشه القطاع العام. وأهم مبادرات المؤسسة التي بدأ يستفيد منها المتقاعدون هي تطوير الخدمات الرقمية.
لقد أدخلت المؤسسة العديد من الخدمات التي يحتاجها المتقاعد سواء عبر موقعها، أو عبر أجهزة الخدمة الذاتية التي بدأت توزعها في فروعها وفِي الأماكن العامة، بالإضافة إلى تطوير الخدمات الرقمية المتزامنة مع العديد من الأجهزة الحكومية، كما أدخلت إيصال المستندات إلى المستفيدين حسب طلبهم عبر البريد. أيضًا أدخلت بشكل محترف نظام متابعة لقياس رضا العميل عن الخدمة، (المفارقة أن هذه النقلة الجديدة في أداء القطاع العام التي لمن نكن نعرفها، رغم أهميتها.. الناس ما زالت غير مصدقة، لا تأخذها على محمل الجد، وتقبلها بحذر!)
ولكن الذي يستحق، في تصوري، التقدير الأهم هو سعي المؤسسة لإطلاق مشروع يستهدف توظيف المتقاعدين. الأرقام التي لدى المؤسسة مزعجة، وهنا نشير على وجه الخصوص إلى قلة عدد الذين يستمرون في العمل بعد التقاعد المبكر، أو الذين يتقاعدون في الأربعين أو في بداية الخمسين من أعمارهم، بالذات من العسكريين.
بطالة هؤلاء مقلقة من ناحيتين. أولاً، هؤلاء يتقاعدون في مرحلة عمرية تنضج فيها الخبرة وتتسع فيها دائرة الحكمة مما يهيئهم لفرص القيادة والإدارة. ثانيا، هؤلاء حصلوا على فرص للتعليم العالي في الداخل والخارج، وتقاعدهم المبكر خسارة وطنية بعد استثمارهم وتأهيلهم.. إنهم فرصة لبرنامج التوطين الذي نطلع إليه، بالذات في القطاع الثالث.
المؤسسة لديها توجه لإيجاد آلية لتوظيف المتقاعدين، وأنا أرى أن أفضل إليه وسبق أن كتبت عنها، هي في إنشاء شركة للخدمات الأمنية تشمل الاستشارات، والدراسات، وتقديم خدمات الحراسة والمراقبة.. كل هذه المجالات يرتفع الطلب عليها. أيضًا هناك حاجة لإنشاء شركة للمقاولات والصيانة والتشغيل، وهذا المجال يتوسع بشكل كبير مع استمرار نمو مشاريع البنية الأساسية، لذا هو في حاجة إلى الموارد البشرية المحترفة في القيادة والإدارة. وهناك مجالات أخرى لشركات تقوم تحت مظلة القطاع الخيري غير الربحي.
هذه الآلية نحتاجها عاجلا، وثقتنا أن من بيدهم إنضاج مثل هذه المشاريع الوطنية هم على مستوى الإحساس بالمسؤولية. استمرار تقاعد الموظفين، العسكريين والمدنيين، بسن مبكرة (يهدر فرصًا وطنية)، ويواصل التأثير السلبي على أنظمة التقاعد ويعرضها للعجز الكبير. وهذا يضع المسؤولية على وزارة الخدمة المدنية لدراسة مشكلة (بيئة العمل الطاردة) التي تؤدي إلى التقاعد في سن مبكرة، فالآن نرى الأثر السلبي المتعدي لبيئات العمل الطاردة للموارد البشرية.
القطاع العام لن تتراجع الحاجة إلى خدماته بالسرعة التي يبشرنا بها خبراء الشركات الاستشارية العالمية، فالتخصيص لن يكون مشروعًا يسيرًا، فله مخاطره على مستقبلنا. الخيار الذي بيدنا الآن هو (تفعيل القطاع العام)، عبر تطوير النظم والإجراءات، وتمكين القيادات وتحفيز الموارد البشرية، وهناك قصص نجاح لتطوير الخدمات الحكومية بأقل الإمكانات. القيادة والإدارة هي منطلق النجاح.