فهد بن جليد
قبل ثلاث سنوات من يومنا هذا، زاد خالد من سرعة سيارته - وسط أجواء ماطرة - للحاق بموعد صديق عمره سعد الذي هاتفه بالجوال طالباً منه الاستعجال ليذهبا سوياً للمقهى كعادتهما اليومية مع بقية الأصدقاء.. ظل الاثنان يتواصلان بالدردشة عبر (الواتس) ويضحكان، لتنحرف السيارة وترتطم بعمود إنارة، وكان آخر ما سمعه خالد أصوات المُسعفين من المارة الذين اجتهدوا في نقله وإخراجه من السيارة بطريقة خاطئة، ما تسبب له (بشلل نصفي) حيث ظل حبيساً للكرسي المُتحرك طوال السنوات الثلاث الماضية..
أمس الأول ركبت بجوار خالد من أجل تجربة قيادته للسيارة المُجهزة لمثل حالته لكونه لا يحرك أطرافه السفلية، حتى يبرهن لي قدرته على تجاوز كل تلك الصعوبات والآلام التي عاناها، ليُعيد صناعة نفسه واكتشافها من جديد، هذه المرة كان حزام الأمان هو أولى الخطوات العملية التي أكد عليها، لا سرعة بالمُطلق، ولا انشغال عن الطريق، (ثوانٍ قليلة) كافيه لخسارة أيام وسنين طويلة من العمر - هكذا قال خالد - تحدثنا طويلاً عن الأمل والحلم وكيف أثرا في حياته، فقال عُدت اليوم لمقاعد الدراسة الجامعية لدي أمل بأن أتجاوز كل الصعوبات في طريق تحقيق حلمي بالحصول على شهادة الهندسة كما كنت آمل قبل الحادث، وأن أتفوق على نفسي قبل الآخرين.
في عيني خالد دمعة حائرة، وحزن عميق - يكسو ملامحه الهادئة - كلما جاء الحديث عن مشاهد ليلة الحادث وتفاصيلها، كنتُ أعتقد أنَّ هذا الجرح الغائر والحزن الحقيقي بسبب فقدانه لقدميه وعدم القدرة على المشي - اكتشفت لاحقاً - أنَّ هناك أمراً آخر لا يقل ( ألماً ووجعاً وحسرة)؟ إنَّه تنكر الأصدقاء لخالد، وهو الذي كاد أن يدفع حياته ثمناً للقائهم - بل دفع نصف حياته بالفعل - لقد كانوا بجواره بداية الأمر، ولكنَّهم تخاذلوا وتساقطوا يوماً بعد آخر، لشعورهم بأنَّ ذلك الشخص طريح الفراش لن ينهض مُجدداً، وبات حملاً ثقيلاً هم غير مُلزمين به، ولكنَّ خالد ترجم فعلاً مقولة (أجمل هندسة في العالم) أن تبني جسراً من الأمل فوق نهر من اليأس، فهو اليوم يصل إلى كليته بسيارته رافعاً لواء الأمل لغد أجمل، وواضعاً عينه كل يوم بعين من خذلوه بعد أن تعلم من الدرس جيداً، فلكل من يقود سيارته بسرعة وتهور، تذكر أن حولنا (أصدقاء بلا قيمة) تلك خلاصة تجربتي مع بطل قصتنا أعلاه.
وعلى دروب الخير نلتقي.