فضل بن سعد البوعينين
من تقاليد الحُكم في السعودية التواصل الدائم بين القيادة والشعب، وسياسة الباب المفتوح، وهو أمر يندرج على جميع مستويات الولاية دون استثناء، ومنهم أمراء المناطق ونوابهم، الذين يحرصون على زيارة المحافظات والمدن، والالتقاء بالمواطنين، والاستماع إليهم. وبالرغم من حرص أمراء المناطق ونوابهم على استثمار زياراتهم الأولى لرصد الاحتياجات، ومتابعة المشروعات، ومعالجة المعوقات، إلا أن احتفائية المضيفين، من مسؤولين ومواطنين، قد تطغى على الجوانب العملية؛ فتسهم في تقليص حجم الاستفادة من الزيارة الميدانية الأولى.
لذا وجب التحول الممنهج لتكييف زيارات المسؤولين من أجل تحقيق أهدافها العملية، دون الإخلال بالعلاقات الإنسانية المهمة والمؤثرة في العمل القيادي، وهو ما بدا واضحًا في زيارات سمو أمير المنطقة الشرقية وسمو نائبه اللذين يركزان على الجوانب العملية والإدارية، ويحرصان في الوقت عينه على تدعيمها بالجوانب الإنسانية والاحتفائية المنضبطة، وغير المؤثرة في الإجراءات التنفيذية. ولعلي أستشهد بحفل العشاء الذي أقامه الأمير أحمد على شرف أهالي الجبيل، وهو ترسيخ لثقافة التواصل المباشر، والالتقاء بالمواطنين، والاستماع منهم وتقديرهم.
يمكن القول إن عمليات التحول الوطني، والمبادرات التنموية، والتطوير الإداري.. عززت من أهمية إعادة تشكيل الزيارات الرسمية؛ كي تتوافق مع متطلبات التغيير الإيجابي، والتعاطي الأمثل مع احتياجات المرحلة التي تحتاج إلى كثير من الأعمال التنفيذية، وقليل من الدبلوماسية التي لا يمكن الاستغناء عنها. زيارة الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، نائب أمير المنطقة الشرقية، لمحافظات المنطقة، التي بدأها بمحافظة الجبيل، عززت هذا الجانب، وشددت على أهمية البُعد عن المظاهر الاحتفائية، والتركيز بشكل واضح على أهمية العمل من أجل تطوير المحافظات، وتفعيل دور الإدارات والأجهزة الحكومية. وكان لافتًا إزالة المظاهر الاحتفائية في محافظة الجبيل، بتوجيه من سموه، الذي بدأ زيارته للمحافظة باجتماع موسع مع جميع الإدارات الحكومية، للاستماع منهم، ومناقشتهم في برامج التنمية والخدمات المقدمة منهم للمواطنين. كان تركيزه منصبًّا على تطوير الأداء، وتفعيل برامج التنمية، ومعالجة المعوقات، وتحفيز المسؤولين على المعالجة الذاتية وفق الإمكانيات المتاحة، مع الوعد بالدعم والمساندة.
الاجتماع الأول لا يعني قبول كل ما يُطرح من معلومات وبرامج دون تمحيص؛ فالإدارة الحصيفة تتطلب جمع أكبر قدر من المعلومات قبل الاستماع إلى مديري الأجهزة الحكومية؛ لذا شدد الأمير أحمد بن فهد في بعض مداخلاته على أولوية المشروعات والبرامج والأحياء المستهدفة كأداة من أدوات الإنجاز التي لا يمكن الاستغناء عنها. ضخ الأموال في مشروعات ليس لها أولوية، ولا تخدم الشريحة الأكبر من المواطنين، أشبه بالهدر، وإن أُنفقت في مشروعات واضحة. أولوية الإنفاق على المشروعات وفق أهميتها وحجم الاستفادة منها تُسهم في تحقيق كفاءة الميزانيات المرصودة، وترفع من ثقة المواطنين بالأجهزة الحكومية، وعدالتها، وقدرتها على تنفيذ البرامج التنموية، كما أنها تتماشى مع فلسفة المبادرات التنموية المنبثقة من رؤية المملكة 2030.
بشكل عام، أسهم الاجتماع في تقديم صورة شاملة عن الخدمات والبرامج والمشروعات التنموية، والاقتراحات البلدية، والاحتياجات المستقبلية، بما يساعد على تحقيقها.
الهيئة الملكية بالجبيل وكلية الجبيل الصناعية كانتا ضمن برنامج الزيارة العملية، إضافة إلى الالتقاء بالصناعيين. زيارة الأمير أحمد للهيئة الملكية بالجبيل، واطلاعه على النهضة الشاملة والإنجازات التنموية التي تشهدها الجبيل الصناعية، ربما أسهما في مقارنة مخرجات التنمية بين المدينتين المتلاصقتين. وهي مقارنة قد لا تكون عادلة عطفًا على حجم الميزانيات والإمكانيات والتشريعات والأدوات المتاحة للهيئة الملكية، إلا أن أهميتها تكمن في البحث عن سبل تقليص الفجوة التنموية بين المدينتين، ووضع استراتيجية تنموية موحدة لهما، ومعالجة ما يعترضها من تشريعات رسمية، وإشراك الجبيل في برامج ومشروعات المسؤولية المجتمعية السخية المقدمة من القطاع الصناعي.