عبده الأسمري
تواجهنا يوميا العديد من استطلاعات الرأي واستبانات البحوث التي تمتلئ بها المواقع من خلال الأفراد والجهات لمناقشة ظاهرة معينة أو الوصول إلى ثبات مجتمعي نحو مسألة أو قيمة أو مشكلة أو غيرها فتنعكس الاجابات على مستوى المشاركين، وتصدر المؤشرات المختلفة، وعلى غرارها أيضاً نرى مستوى التفاعل وردود الأفعال نحو أي قرار أو حدث من خلال تحول المجتمع للإدلاء برأيه في ساحة مفتوحة من الحرية المجتمعية والمرونة الوطنية فنرى الأصوات العاقلة والمحايدة والصامتة وحتى الشاذة والجاهلة والمجهولة كل ذلك يصب في ردة الفعل البشرية نحو المؤثرات العامة، سواء كان سؤالا دارجاً ضجت به منصات وسائل التواصل الاجتماعي، أو حدثا فتح باب التعليق على مصراعيه للناس الذي يختلفون كاختلاف بصمات أصابعهم وتفاوت درجات تفكيرهم وعقولهم.
وسط ذلك تبقى الثقافة دواء سحرياً للعديد من الاشكاليات التي تبث سمومها في شرايين المجتمع وتنشر سوءاتها في مفاصل حياتنا وتمسك بتلابيب التافهين فتروضهم نحو السقوط.
ليست الثقافة محصورة أن نكون حاضرين على المنصات أو متواجدين في دور المعرفة ولكنها حاجة انسانية وسمة بشرية تتوق الأنفس إلى تشربها وإلى النهل من معينها والانتهال من جداولها التي تفيض بالمنطق، وتحول الإنسان إلى عضو صالح، وتبدد كل الجمود الذاتي الطاغي وتحوله إلى مرونة تحترم الآخرين، وتقدر الحوار وتنهض بالنقاش وترتقى بالخلق. الثقافة دواء لكل أمراض الجهل التي تنتج السخرية والعنصرية والحسد والحقد والعداوة والبغضاء وهي الرداء الذي يقينا من زمهرير الفتن التي تأتي للإنسان من جهاته الأربع فتشكل الثقافة حماية له عندما يمتلك الثقافة اللازمة التي تنقله من مساحة الانانية البغيضة إلى الوعي والإدراك ومواجهة كل التحديات بعقل وأناة.
عندما يسير الإنسان في دروب الثقافة يتغير سلوكه ويتبدل حاله ويتطور فكره فيصبح الرقي عنوانه والسمو تفاصيله وحب الآخرين والتعايش مع المختلفين سماته النفسية المنطلقة من قاعدة الثقافة.
من أراد التغير عليه أن يتداوى بالثقافة، وهي موجودة ومتوافرة في الكتاب وفي الكلمة ووسط موجهات النفع التي توجد بين أيادينا، سواء أدوات أم أشخاصاً، ومن نوى تطوير الذات عليه أن ينظر إلى الثقافة كدواء شاف وواف لكل منغصات الداخل، وآلام الخارج سيتوجه عبر الزمن من متعلم إلى معلم ثم إلى ناصح تتشرب نفسه مكملات الفائدة واستكمالات المعرفة من ينابيع يعرف جيدا أن يلوذ بها حين الألم، ويستكين بها أثناء الإحباط ويلجأ إليها اذا اشتدت معارك الجهل في ساحات كان جزءا منها. تنقلنا الثقافة إلى مسارات أخرى تجعلنا نعيد النظر في ثقافتنا نحو كل شيء، بدءاً من خطوات العمر الأولى مرورا بمقاعد الدراسة وكراسي العمل ومواقف الحياة بكل تعابيرها واعتباراتها وحتى يكون الإنسان في مواجهة حتمية مع الموت.. فكل علم أو تجربة أو موقف أو قصة أو نقلة حياتية أو مصيبة تعد محوراً لثقافة مجانية يجب أن نتعامل معها بأن نبرز النافع منها في عقولنا وأفئدتنا وأن نطوره، وأن ننقي أرواحنا من كل ما يحاول المساس بفكرنا من سوء يحمله الجهل، لذا فنحن دوما في مرحلة عراك مستديم مع المؤثرات التي تنتج لنا الثقافة كدواء والجهل كداء والحصيف من اتعظ والعاقل من اعتبر واستطاع أن يقوي مداركه، وأن ينمي حياته بالثقافة التي خرجت من ميادين كل المواقف حتى يشبع بها عقله ويرضى بها قلبه ويسير بها نحو عضوية شرفية في الحياة وكفاح يؤول به إلى الصلاح والنجاح. الحياة عبر، والثقافة نتيجة نستطيع تشكليها في مشاهد معرفية تقينا صرعات السوء، وتنقذنا من صراعات السقوط.. علينا أن نثقف أنفسنا بشكل دائم فمناعتنا النفسية والروحية والعقلية تحتاج جرعات ثقافة نافعة شافعة تستهدف ذواتنا وتستعمر عقولنا حتى نسير في الحياة نافعين مستنفعين بما هيأه الله لنا من نعم ثم ما نتركه خلفنا من أثر يبقى في مساحات الذاكرة «الجميلة المستديمة «.