د. حسن بن فهد الهويمل
من أوقف لسانه، وقلمه للمناكفات، واستنزف كل طاقاته في التعاطي مع الشأن العام فحق عليه رحابة الصدر للمساءلة، وخَفْضِ الجناح، رحمة، لا مذلة، وإلقاء السمع لمن أوذي بالرغاء، والهديل، والمواء تحت أقدام الغزاة. والصهيل، والهدير، والزئير فوق هامات المستضعفين.
هناك [سينات] كثيرة، تعرف منها، وتنكر. لا همَّ لهم إلا جلد الذات، والسخرية بالإنسان العربي، وتصنيم الإنسان الغربي، وتزكيته.
[وَسِيَّان فِي عُرْفِ الحَقيْقةِ عَالِمٌ … إلىَ الشَّرِّ مَيَّالٌ، وأَجْهَلُ جَاهِلِ].
نعم أمتنا متخلفة، ومتفككة، ومغلوبة على أمرها. تمارس الحروب المجانية الشرسة. حتى لقد بلغت بأدوائها الدرك الأسفل من الغثائية، ولكنها لم تكن وحدها المسؤولة.
[مَا بَأَيْدِينَا خُلِقْنَا تُعَسَاء].
عندما أدين [الإنسان الغربي] بكل كبريائه، وعنفه، وغطرسته، ووحشيته، وعلمه الغزير بظاهر الحياة الدنيا، لا أمارس الإسقاط، ولا أبرئ الذات العربية، ولا أنكر ما حققه الغرب من تقدم في مختلف وجوه الحياة. نحن شركاء في سائر الخطيئات، كما يقول [مالك بن نبي] ولكن المحاسبة لا تكون بتجريم الإنسان العربي، وتصنيم الإنسان الغربي. المحاسبة بالمناصحة، والتنوير، واقتراح المشاريع، ورسم الخطط ، وأساليب الأداء، وتعرية المعتدي.
الغرب طرف رئيس في كل خطيئة. متوحشٌ لا يعرف الرحمة. ظالمٌ لا يعرف العدل، يواري سوءآته بادعائه تصدير [الديمقراطية]، و[الحرية]، و[التنوير]، و[حقوق الإنسان]، و[حكم المؤسسات]، و[صناديق الاقتراع].
وكل ادعاءاته الكاذبة تشكل أقنعته الزائفة. وهي الطعم الذي أكلته [السِّيناتُ] حتى بشمت:-
لقد غَرَّ [السينات] الإيجاف الإعلامي الغربي، خلف [المفكرين اليهود] المتصهينين: [كارل ماركس]. [دارون]. [دور كايم]. [فرويد]، وآخرين لا تعلمهم [السينات] نحن نعلمهم، كاليهودي المتصهين [كسينجر]، وكل أولئك غيروا مجرى التاريخ الحضاري، والسياسي للعالمين: [العربي]، و[الغربي]. وقلبوا الموازين. ثم تكشفت نظرياتهم، وسياساتهم عن عبث ذريع، وصفاقة حمقاء.
هناك خلل في تفكير [الإنسان العربي]، وممارساته. وما تلغو به [السينات] تكريس لهذا الخلل، وإحباط، وتيئيس، وقنوط.
[الغرب] لا يريد خطاب التوعية، والتصحيح، والتفنيد، ورسم أي خارطة للخلوص من زمن التيه.
لقد قتلوا من قدروا على قَتْلهِ من العلماء العرب المتفوقين في مختلف التخصصات العلمية، وبخاصة من [العراق].
واغتالوا المفكرين، الذين فكوا شفرات اللعب، وامتلكوا خطابات منافسةٍ. فيما حَمَوا المهرجين، والمغفلين، والرَّغَّائين، ورفعوا من أقدارهم.
[الغرب] المتسلّط يريد من [منائحه]، و[طرائده] أن تنقاد وراء [السينات] الهدامة. فيما يفرق من العقلاء العالمين المجربين الذين يريدون:
تربية، وتعليماً.
تنقية، وتصحيحاً.
إنقاذاً، وتجديداً.
مشاهدنا تتوق إلى كفاءات وطنية صادقة، عارفة، حانية، تمارس الرحيل بالتراث، لا الرحيل إليه، وامتصاص نسع الحضارات، دون الذوبان فيها. وإدارة واعية للاختلاف، ومعايشة نِدِّيَّةٍ مع المغاير.
فهل خطاب [السينات] ينهض بهذه المهمات. بحيث يدع تجريم الذات، وتصنيم الآخر. إنها معادلة صعبة. لأن [السينات]: إما جهلة يحققون معجزة المبلغ عن الله في الإخبار عن [الغثائية] و[الرويبضات]. وإما عالمون، عملاء، مجندون. لا بد من العصف، ولا بد من الصعق. حتى تفيق الأمة من سباتها. وحين يفيق [الإنسان العربي]، لا بد أن يجد الحواضن، والأجواء، والمناهج، وخرائط الطريق، والمصلحين الناصحين، ليبدأ رحلة العودة إلى الطريق القاصد. الغرب المادي، والشرق الإلحادي وجهان لعملة واحدة، رسالتها أن تظل الطريدة منهكة من اللعب القذرة، ومثبطة بخطابات الهجاء، والتوهين، والانبهار المذل. مفكرون إسلاميون يُعَدَّون من المجددين. تصدوا للتخلف، وفنّدوا أسبابه، وعالجوا دخائله.
[زعماء الإصلاح] كما تقصاهم العقلاني [أحمد أمين]، وقوائم الأدواء، والعلاج، كما فندها [الندوي]، و[مالك بن نبي]، و[العقاد]، و[عبدالوهاب المسيري]، و[عبدالحميد أبو سليمان]، و[محمود محمد شاكر]، وآخرون.
والتنقية، والتصفية، والتربية، كما تبناها [ابن باز]، و[الألباني].
والقراءة الواعية للذكر الحكيم، كما قدَّمها [الشعراوي]، و[عاشور] وآخرون.
كل هؤلاء عرفوا طريق التجديد، والتصحيح، واستقلوا برؤيتهم، ولم يسلموا للغرب. ولم يستخفوا به، ولم يكن أحد منهم خِبَّاً، ولم يخدعه الخب.
دعونا نستفيد من الغرب، لأنه متقدّم، متفوّق بحق، نأخذ منه ما يفيد، ونعطيه ما يلهيه عنا. هناك قواسم مشتركة بين كافة [الحضارات الإنسانية]. هناك حضارة إنسانية مستوعبة لكل الخطابات. وهي التي أشار إليها المبلِّغُ عن الله بـ [اللبنة]، و[إتمام مكارم الأخلاق].
وهناك إمكانيات لتبادل المنجزات. دعونا نقرأ [الوحيين] بعيون العَصْر. إذ [رُبّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ].
كما أن هناك إمكانيات للتعايش، والتفاعل، ودرء الصدام، يتبناها العقلاء المجربون من قادة الدول المحبة للسلام. إنها العتبة الأولى للطريق القاصد.
[البعثات]، و[الترجمة]، و[توطين المعرفة]، و[النقد]، و[الانتقاء]، واقتناص الخبرات، والمهارات هي ما تفقده [السينات]، في خطاباتها السائلة السائبة. وهو ما تقصده الكفاءات المهمشة، أو المحاصرة.
مَدَنِيَّةُ الغرب المفيدةُ محجوبةٌ عنا. يغالبها القادة الناصحون، فيغلبونها تارة، ويغلبون. وتعالق التافهين مِنَّا مقصور على. حريته العبثية المطلقة. وكلمته المجتثة من فوق الأرض. وفنَّه الخليع. ورؤيته للإنسان بوصفه المادي، لا الروحي.
الإسلام كما أراده الله، وكما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده المنقذ متى عُرِفَت [المقاصد]، و[المصالح]، و[الوسطية]، و[الحوار] المتكافئ.
تخلَّفُ المسلمين لا يحال على الإسلام. الإسلام يدعو إلى العلم بمعامله، ومختبراته، وإلى الحرية، والعدل، والمساواة، والسلام، لا الاستسلام.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}. {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}. [أَنْتُمْ أَدْرَى بِأُمْورِ دُنْيَاكُمْ]. [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ]. [مَتَى اسْتَعْبَدْتُم الناسَ، وقَدْ وَلَدَتْهُم أمَّهاتِهِم أحرارا]. {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} في قيمكم، ومآلاتكم.
واجب [السينات] إعادة النظر في قراءة الذات العربية، والشعور بأن:- [بَني عَمّك فيهمُ رماحُ].
مُعْتَصر المُخْتَصَر يتمثّل في إعداد خطاب وسطي، يدفع بالتي هي أحسن، ويُطَمْئِن المستبد المتسلط بأن من الخير تبادل المنافع، وإحترام إنسانية الإنسان، واستغلال القواسم المشتركة بين الحضارات الإنسانية، وتفادي الصدام، والكف عن السخرية بالذات، وتصنيم الآخر. إذ ليس من مصلحتنا الصدام، بل الأجدى مصاحبة المخالف في الدنيا معروفاً ما أمكن ذلك.
فذلكم الرباط، فذلكم الرباط.