د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
دشنت هيئة الترفيه مشكورة الكثير من الأنشطة التي تهدف للترفيه عن المواطن بالتعاون مع جهات خاصة وحكومية. وشملت هذه الأنشطة الكثير من الفعاليات لمختلف الأذواق والأعمار، وهذا يعد أمرًا جديدًا على مجتمعنا الذي ظل فترة طوية محرومًا من مثل هذه الأنشطة التي تعد في كثير من المجتمعات أمرًا معتادًا. وهناك تفاؤل غير مسبوق بين المواطنين بما سيأتي به المستقبل من أنشطة كان المواطنون يسافرون من أجلها لدول مجاورة كالسينما، أو الحفلات الغنائية، أو العروض المسرحية وما إلى ذلك. ولا شك أن بعض الفئات من المجتمع تتوجس من بعض هذه الأنشطة مع أنها تلتزم بشكل كامل بكافة معايير مجتمعنا الأخلاقية والدينية، وربما يكون ذلك من باب سد الذريعة والخوف غير المبرر من أن حبل الترفيه سيترك على غاربة، وسيسمح لا سمح الله بأمور قد لا تتماشى مع هذه المعايير. وهذا النمط من التفكير غير المبرر أدمن عليه البعض منا لردح طويل من الزمن، ويحتاج أيضًا لزمن طويل ليتخلصوا منه.
ومع شكر هيئة الترفية على جهودها إلا أن هناك بعض الأمور التي أود أن الفت النظر لها، هو أن للترفيه أكثر من مفهوم منها مثلاً مفهوم الترفيه الأعم أو ما يسمى بالإنجليزي leisure هو يختلف كثيراً عن مفهوم آخر للترفيه بمعنى «التسلية» أو ما يمكن تسميته بالإنجليزية entertainment. فمفهوم الترفيه العام أهم وأعم ويشمل في جانب منه أنشطة التسلية أو قضاء وقت الفراغ. والترفيه بمعناه العام متعلق برفاه المجتمع وحياته بشكل عام، والاهتمام به يتطلب تكاتف جهود جهات رسمية وغير رسمية كثيرة، ولا يمكن أن يقتصر على هيئة الترفيه فقط.
ويشتمل جانب الترفيه العام على أمور كثيرة لها علاقة برفع مستوى معيشة المجتمع ككل، كالحدائق، وأماكن الرياضة والتنزه والمشي كالشواطئ والساحات العامة، والمسابح، والمسارح وغيرها. أما الأنشطة التي ترفه عن الإنسان بمعنى تسليته فهي ما يدور في هذه الأماكن من أنشطة وفعاليات منظمة أو تلقائية. فوجود ساحات أو حدائق في المدن يرتادها الناس يعد اليوم أمرًا مهمًا لرفاههم وصحتهم، وعندما يرتاد المواطنون هذه الحدائق يجدون فيها أنشطة تسلية مختلفة يؤديها مواطنون آخرون بشكل تلقائي. ودور السينما تعد أماكن ترفيه وما يعرض فيها من أفلام وأنشطة ثقافية تدخل في مجال الترفيه بمعنى التسلية.
ولتحقيق تقدم أفضل في مجال الترفيه تحتاج هيئة الترفيه إلى تكاتف أجهزة حكومية وخاصة كثيرة مثل أمانات المدن، والشركات الكبرى، والبنوك وذلك لتوفير أماكن ترفيه في المدن والبلدات بمختلف أحيائها. فالترفيه يهدف هنا إلى تحسين ورفع مستوى معيشة المواطن الصحية والنفسية، وإيجاد أماكن تنفيس للمواطنين وأسرهم، وأطفالهم. ولا شك أنه يوجد في بعض أحيائنا بعض الحدائق وأماكن المشي والمواطنون والمواطنات يرتادونها بشكل متزايد، ولكنها وللأسف غير كافية، وبعضها تنقصه الصيانة والمرافق. والجانب الترفيهي بهذا المعنى يدخل في صلب التخطيط المدني الذي هو من صلب عمل أمانات المدن والبلديات التي تضع عادة الخطط للأحياء و للحدائق والشوارع وأرصفتها و تنظم توزيع الأنشطة التي تقام فيها.
وتتميز مدن العالم الجاذبة بتخطيط مدني سليم ومريح يأخذ بعين الاعتبار راحة وسلامة المواطن والزائر. فالأرصفة مستوية وواسعة وجميلة، والبنايات متسقة وتصاميمها متجانسة. ويتم تشجير الشوارع بأشجار مناسبة للبيئة وتتم إضائتها بأشكال جمالية حديثة، ويتم توزيع الأنشطة التجارية فيها بما يتناسب مع تخطيطها العام. وتزود الأحياء بمرافق رياضية، ومسابح، وقاعات متعددة الوظائف تصلح للعروض المسرحية، والسينمائية، والأنشطة الثقافية، وهذا يشكل البنية التحتية للترفية بمعناه العام، وهي مكتسبات تنموية تتجدد باستمرار. أما دور هيئات الترفيه فهو وضع الأنظمة والمعايير التي تنظم الأنشطة الترفيهية والترخيص لها، وما يجرى في هذه الأماكن من ترفيه فيترك للقطاع الخاص، ولسكان الأحياء. وإذا ما رغب المواطنون في القيام بأنشطة ترفيهية بمعنى التسلية كالعروض المسرحية، أو الغنائية، أو الرياضية فيكون دور هيئة الترفيه تقديم العون لهم، وممارسة دور الرقابة عليهم.
وقد أثبت علماء الاجتماع والنفس أن الترفيه بمعناه الشامل ليس ترفًا، بل ضرورة لإنتاجيته المواطن وصحته العامة وصحته النفسية. واتضح كذلك أن الناس مختلفون في أذواقهم فيما يتعلق بالأنشطة الترفيهية ولذا فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل، أن تتولى جهة واحدة مهما منحت من إمكانات وصلاحيات إرضاء جميع الأذواق. ومشاركة الأفراد في تنظيم الأنشطة الترفيهية التي يرغبون فيها تجعلهم أكثر اندماجًا فيها واستمتاعًا بها.