كوثر الأربش
2005 كانوا خائفين من «بنات الرياض». منعوها من النشر، وأزيلت من رفوف معرض الكتاب. الكاتبة الشابة رجاء الصانع جلست على كرسي المساءلة. اضطرت بسنواتها القليلة لمواجهة سيل جارف من الأسئلة. مازلت أذكر أحدها: لماذا لم تنتظري على كتابة حياة تلك الشخصيات في روايتك حتى تكبرين؟ وما زلت أذكر جوابها كالجرس في ذاكرتي، قالت: «الشخصيات شابة، في مثل عمري، ولم أشأ الكتابة عنها من مستوى أعلى، أعني من فوق. كنت أريد أن أكتب عن قرب ومن نفس المستوى». وقتها، كنت أشعر بصدري دخان أسود من الغضب. وكنت أقول: إلا الكتابة. اعتقوها من الوصاية. أرجوكم.. أرجوكم. وقتها ألقى المثقفون باللوم على رجال الحسبة.
2018 لايوجد رجال حسبة، سقف الفسح صار أعلى. وما زالوا خائفين!
أبو جفين، يجلس على ذات الكرسي. ويواجه السيل الكبير من وصاة الكتابة. وأنا أشاهد المحاولات ذاتها في خنق الصغار الذين يحاولون صناعة أثر ما. وأقول في حزن بالغ: هلا تركتم هؤلاء الصغار يجربون التحليق، ربما يذهبون لفضاء لم نعرفه من قبل. دعوهم يكتشفون، يغامرون، يقررون، يتأملون.. يفشلون أو ينجحون. من يدري. المهم أن تتركوا الفضاء للأجنحة الصغيرة.
ما بالنا؟ لماذا كل هذا الوجل؟ المصيبة أن بعض هؤلاء الخائفين على ثقافتنا لا يقرأون؟ بعضهم الآخر لم يؤلفوا كتابًا، لأنهم ينتظرون الفرصة. الفرصة التي اقتنصها أبو جفين بشجاعة. وهذا وحده كاف لينال رقما كبيرا في عداد المبادرة. لم أقرأ كتابه، قد لا أقرأه أصلاً، هذا ماقلته في حسابي في توتير، ربما لو قرأته أعطيته حقه من النقد الأدبي أو خالفته في الرأي، لكنني سأبقى أدافع عن حق كل شخص يريد أن يؤلف كتابًا. العمر ميزة وليس منقصة، قرار كهذا لم يجرؤ عليه الكثير من المثقفين الكبار. لقد غرس الآباء فينا الانتظار حتى مضى العمر ولم نفعلها. أصبنا بالتسويف.
الخلاصة، ما أريد قوله: دعونا لا نحتكر المجالات، لا نحدد العمر ولا الصفة. لنترك للآخرين ما يرغبون أن يفعلونه. طالما لا توجد جريمة قانونية أو حيد أخلاقي لا يختلف عليه العقلاء.
لنتذكر دائما أننا كلنا، كنّا يومًا ما صغارًا، فكر في كل تلك الأحلام التي تم قتلها. لَم يسعك إنقاذها، لأنك فقط أصغر سنًا.
والأهم من هذا كله، التطرّف ليس بالضرورة أن تقتل المختلف. حتى الوصايات تطرف، أن تعتقد أن بوسعك إخراس الآخر، منعه، تحدد له الصواب والخطأ حسب منظومتك أنت. كل هذا تطرف يرتدي لباس الحرص والاهتمام بقيمة ما. أي قيمة.. سأترك الأمثلة مفتوحة لك.