عبده الأسمري
طيف ثقافة شفيف مبدأ وضيف نقد وصيف إيثار.. مع اسمه تتباين التراتبية حيث التنافس وحين ذكره تتعالى العجائبية حين الانفراد.. عزف لحنة «الموضوعي» ليطلق «الحداثة» مشفوعة بالفكر شفيعة بالتغيير.. رصف جسور النقد فباتت التجربة «برهان « ووظف نبوغ البلاغة فأضحت للبحث «عنوان» سار في ميدان المعرفة غير مكترث بنداءات المختلفين وغير منصرف نحو إعجابات المصفقين.. ولكنه كان «قاضي الاختلاف الثقافي» إذا اشتد وطيس الاعتراض و»حكم الائتلاف الأدبي» عندما تتعادل موازين الرؤى.
إنه الناقد والباحث والكاتب الأديب الدكتور عبدالله الغذامي أحد أبرز المثقفين والأدباء والأكاديميين والمؤلفين السعوديين.
بوجه نقي تحفه مسارات الشيب وملامح الحكمة وعينان تشخصان حين القول وتسطعان حيث الجواب وكاريزما «مهيبة» وشارب أبيض يتقاطع مع سحنة مألوفة تتشابه مع والده وتتقاطع مع أخواله وصوت مجموع بفصل الخطاب مكتنز بالفصاحة معتز بالحصافة تملؤه عبارات لغوية فريدة واعتبارات بلاغية سديدة يطل «الغذامي» فارس كلمة وعزيز قوم وبطل منصة ووجه ثقافة وواجهة أدب يملأ اسمه فراغات «المنافسة» وتحتل آثاره «واحات» الفكر.
في عنيزة التي لا يزال الغذامي يحن إلى «سهولها» و»هضابها» ولد وسط «أسرة» غمرته بالحنان وعطرته بالبيان فصال طفلاً في حضرة موجبات «الدلال» وعزائم «الاستدلال» تشرب عصامية معرفية وجهته لمعانقة منصات الإذاعة المدرسية كطالب في جلباب أستاذ وتلميذ في رداء مذيع.. فعانق التفوق باكراً واعتنق موضوعية دفعته لمعاقرة الكتب في مكتبة مدرسته نهاراً ومسامرة مجالس المثقفين ليلاً فتروحن مع القلم وتموسق مع الكتاب فاختلطت في ذاكرته الغضة «أمنيات مهيبة» جعلته يمطر بها كشكوله الصغير باكراً ويعطر بها ذاكرته الغضة مبكراً أمام والديه كمشروع ناجح وأنموذج طامح لا يعترف إلا بعبق «السبق».
تخرج الغذامي من المعهد العلمي بعنيزة عام 1385هـ ونال ليسانس لغة عربية عام 1389هـ. ثم ابتعث إلى بريطانيا في الفترة من 1971 حتى عام 1978، ونال الدكتوراه من جامعة اكستر عام 1978, عاد إلى أرض الوطن حاملاً حقيبة مكتظة بالبشائر فعمل أستاذاً للنقد في جامعة الملك عبدالعزيز حتى عام 1409. أسس قسم اللغة العربية ومجلة كلية الآداب، ورأس قسم الإعلام ثم اللغة العربية، وأشرف على صياغة بعض المشروعات العلمية في الجامعة مثل مركز التعريب ومركز البحث العلمي. عمل نائباً للرئيس بالنادي الأدبي « بجدة منذ 1980م لمدة 12 عاماً وأسهم في صياغة عدة مشاريع ثقافية لا تزال تستمطر إنجازاته حتى اليوم.
ثم انتقل إلى جامعة الملك سعود للعمل أكاديمياً بدرجة «أستاذ» في التخصص والتخطيط والبحث ارتهن الغذامي إلى منافحة ومكافحة مع صحوة تجمدت في قوالب «جبرية» وارتكن إلى منهجية نقدية لمواجهة «التقليد» ونقله من «سلوك ثابت» إلى أسلوب إثبات، واضعًا السياق الإنساني والانعتاق البشري والاتساق الفكري مضادات لتشخيص المشاهد «المحيرة» وتحليل المواقف «المتعنتة» فجاء كبشير ينفض الرداء الثقافي من تشبث «الشوائب» ويغسل الواقع المعرفي من «درن» التشدد. فكان منقذا لسقوط الأفكار في براثن الرتابة.
قدم الغذامي «مؤلفات عدة» كانت نظريات للتحليل ومناظرات للنصر في الثقافة والنقد والنصوص والكتابة والنظرية والاختلاف تشكلت كأفلام حركية تستشهد بالتناقضات وتشهد بالحلول وتتعهد بنبوءات ومؤكدات تعتمد على ثوابت «الأصول» ومحركات «التغيير»..
جوائز عدة في محافل محلية ودولية أضاف لها الغذامي أكثر مما أضفت عليه. وصفقت له جموع المسكونين بالانفتاح المشفوع بنقد المؤشرات والتي انتظرت «قند» النتائج فكانت تراقب الغذامي وهو يزيل «ألغام» الحيرة الثقافية بين علمنة «تائهة» وليبرالية «معدومة» متشبثاً بحداثة انطلقت من منصة ترى أن أهدافها «العقول» وأن سلاحها «نهج مستنير» يضاء بحيثية «الاختلاف» وينجح بحتمية «الاعتراف» كان الغذامي بذخاً في إشباع «غرور» الطارقين لأبواب مملكته «الفكرية» فعلم تلامذته الرموز السرية لدخولها في حضورة وغيابه وسلم مفاتيح بوابات مدونته «المعرفية» لرفقاء دربه الذين يرون فيه «منهجاً للالتقاء» أينما تعدد متاهات التباعد اختصر الغذامى المسافات الفاصلة بينه وبين «خطوط النهايات» فانتصر بالتفرد من عمق التجرد بنظرياته التنويرية وبعد نظره الذي سبق أوان غيره. حظيظة تلك الثقافة التي تلوذ بعبدالله الغذامي حين المفارقات وتستلذ بسيرته أمام الفوارق.