د. أحمد الفراج
لا شك أن الرئيس ترمب واجه مشكلة، بعد فوزه غير المتوقع برئاسة الولايات المتحدة، فهو لا يملك أي خبرة سياسية سابقة، وكانت الإستراتيجية التي فاز على أثرها، هي مهارته في التواصل مع من يطلق عليهم: «الأمريكون المهمشون»، وهم الناخبون، الذين كانوا يشعرون بأن واشنطن لم تعد تكترث بهم كشعب أمريكي، وهم على يقين بأن اهتمام الساسة ينصب على إرضاء لوبيات المصالح المتنفذة، وقد نجح ترمب في كسب هذه الشرائح الحانقة، وذلك بفضل إستراتيجيات مستشاره الداهية، ستيفن بانون، اليميني العنصري، الذي أدرك من خلال تواصله مع هذه الشرائح أن بإمكان ترمب أن يفوز، دون الحاجة إلى مساندة الدولة العميقة في واشنطن، وغني عن القول أن فوز ترمب كان مفاجئاً حتى لحزبه الجمهوري، الذي كان يرغب في مرشح جمهوري تقليدي، من شاكلة جيب بوش أو ميت رومني أو جون هوكابي.
الحزب الجمهوري وجد نفسه مجبراً على دعم ترمب، الذي جندل كل المرشحين الجمهوريين التقليديين واحداً بعد الآخر، ولأجل كل ما سبق، فإن ترمب يشعر بأنه ليس مديناً لأحد، عدا جمهوره المخلص، الذي صوّت له، وهو جمهور ضخم، يتجاوز عدده الستين مليوناً، وهذا يفسر بعض شطحاته، التي استفزت كثيراً من خصومه، داخل أمريكا وخارجها، مثل مشروع قراره بمنع دخول مواطني بعض الدول الإسلامية إلى أمريكا، وبناء جدار عازل مع المكسيك، وهذه بعض مطالبات جمهوره، الذين يمثّل معظمهم اليمين المحافظ، خصوصاً جماعات اليمين المسيحي المتطرف، وكان آخر ذلك، قرار نقل سفارة أمريكا في إسرائيل إلى القدس، وهو الأمر الذي يعتبر مطلباً أساسياً للمسيحيين الإنجيليين، الذين يدعمون إسرائيل لأسباب دينية محضة، لها علاقة بعودة المسيح في آخر الزمان !
إذا فهمنا كل ما سبق، نستطيع أن نجد تفسيراً لعمليات التغيير الكثيرة في إدارة ترمب، ففي البداية، أدرك صعوبة استمرار مستشار الأمن القومي، مايكل فلين، واضطر لعزله، ثم بعد فترة، استقال أقرب مستشاريه، والعقل المدبر لفوزه بالرئاسة، ستيف بانون، بعد أن أصبح عبئاً ثقيلاً عليه، لأن بانون لا يؤمن بالعولمة، ويرى أن أمريكا يجب أن تنغلق على نفسها، إذ هي ليست مسؤولة عن قضايا العالم، حسب رؤيته، كما أن مواقف بانون العنصرية الصريحة أحرجت ترمب، الذي يفترض أنه يرأس دولة قائمة على التنوع العرقي والديني والثقافي، وأتبع ترمب هؤلاء بإقالات أخرى، كان آخرها عزل وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وأظن أن للإقالات بقية، فهناك تسريبات قوية هذه الأيام عن قرب إقالة مستشار الأمن القومي، الجنرال هيربيرت مكماستر، ورغم نفي ذلك من المتحدثة باسم البيت الأبيض، إلا أن كل شي متوقع، إذ سبق أن تم نفي إقالة تيلرسون، ثم أقيل بعدها بعدة أشهر، والخلاصة هي أن ترمب سياسي مختلف، ولا يتوانى عن اتخاذ أي قرار، فهو لا يجيد مراوغة الساسة التقليديين، ولا يكترث كثيراً بردة فعل خصومه، أو ردة فعل الإعلام، فما يهمه هو جمهوره المخلص، الذي أوصله للبيت الأبيض بما يشبه المعجزة!